كتبت سينتيا سركيس في موقع mtv:
ها هو الهيكل يسقط على رؤوسنا جميعا، ليجعل منا شهودا على أسوأ مرحلة من تاريخ لبنان الحديث، وعلى أسوأ حكام ومسؤولين شهدتهم هذه البلاد.
لكن الحال لم تكن دائما كذلك، فلبنان عايش الكثير من الرجالات الرجالات التي نفتقدها اليوم، والتي رسّخت إسمها ضمن تاريخ مشرّف حبذا لو يستنير به بعض من يمسكون بمصائرنا في هذا الزمن البائس.
تطول لائحة الرؤساء والنواب والمسؤولين الذين ارتبط إسمهم بقصص من عزة النفس والشفافية واختصروا بأفعالهم وسياساتهم مسيرة وطنية يحتذى بها أمثال كميل شمعون وسامي الصلح وشارل مالك، وفي ما يأتي سنستعرض بعض القصص اللافتة التي طبعت بعض العهود والحقبات، علّ البعض يتعظون.
قد تكون سيرة الرئيس الراحل الياس سركيس، المثال الأبرز عن الرئيس الذهبي الذي كان قليل الكلام وكثير الأفعال، خطّط ونفذ، وجمع ثروة لبنان من الذهب يوم كان حاكما لمصرف لبنان، ليعزز مسيرة من الشفافية والوطنية في أحلك الظروف، والذي عُرف عنه أنه لا يرتشي ولم يتلفظ يوما بما يتعلق بالطائفية. هو الرئيس الذي استلم سدة الرئاسة وفي صندوق النفقات للقصر الجمهوري 3 ملايين دولار، ويوم غادر القصر كان في الصندوق 3 ملايين دولار.
إنه الرئيس الذي لم يوظف يوما أحدا، والذي قدم استقالته حينما وجد نفسه عاجزا عن إكمال مسيرة الوطن، ومما جاء في كتاب الاستقالة: "لقد إستلمت الحكم في ظروف مستحيلة، أملاً مني بإنقاذ وضع يائس، معتمداً على ما يملكه لبنان من رصيد عربي وعالمي، وعلى شعور عام بوجوب الخروج من الأزمة - المأساة التي أوصلتنا إلى شفير الهاوية، وأمام ضميري وشعوراً مني بالواجب تجاه وطني، وتحسساً بالمسؤولية تجاهكم جميعاً، أجدني مضطراً إلى ترك سدة الحكم".
وفي وقت يتمسك الحكام والمسؤولون بالسلطة، تخلى البطريرك مار نصرالله بطرس صفير عنها، فقدّم استقالته في عز يوبيله الفضي، مثيرا صدمة في لبنان والعالم. البطريرك الحكيم وسريع البديهة، الذي حمل أوجاع لبنان إلى كل بقاع الأرض إبان الاحتلال السوري ورعى مصالحة الجبل، كان وجه لبنان الاستقلالي، الذي يزخر مجدا وصلابة.
فؤاد شهاب، أيضا من الشخصيات التي نفتقدها في مثل هذه الأيام. إنه الرئيس الذي عرف بالنزاهة، والتواضع، والتقشف، الذي عرف برفضه لمختلف أنواع الهدايا والهبات، باستثناء الكتاب، هديته الوحيدة والثمينة.
كما شهاب، كذلك كامل الأسعد، رئيس مجلس النواب السابق، الذي اشتهر بعزة النفس والعنفوان، هو الذي يُحكى عنه، انه في يوم من الأيام، ولأن رئيس مجلس الشعب السوري لم يكن بانتظاره كما يقتضي البروتوكول عند نقطة المصنع، أمر الأسعد موكبه بالاستدارة والعودة أدراجه إلى لبنان وبالتالي إلغاء الزيارة، باعتبار ان ما حصل هو إساءة للبنان.
ومن القصص البارزة أيضا، قصة مؤسس حزب الكتائب، بيار الجميل، الذي يوم كان وزيرا للاشغال العامة، استقلّ في أحد الأيام باصا مع المواطنين، لمعاينة مشاكل الناس عن قرب، ومراقبة كيفية سير العمل في ما يخص النقل المشترك.
اما النائب إدمون نعيم، الرجل البشوش والمحترم، فقد رفض تقاضي راتبه في الفترة الأخيرة حينما تعذر نزوله إلى المجلس بسبب مرضه.
هي جولة سريعة على رجالات بتنا نفتقدها في سدة الحكم اليوم، رغم أن الصالح في أيامنا هذه بات يذهب بعزا الطالح نتيجة السخط الكبير الذي بات يشعر به اللبنانيون إزاء مسؤوليهم، وتفشي الفساد في مختلف القطاعات… ولكن كلمة حق تقال، كان سبقنا إليها الفيلسوف كونفوشيوس يوم سأل: "إذا صلح القائد، فمن يجرؤ على الفساد"؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك