كتب إيلي الفرزلي في "الأخبار":
ثلاثة اجتماعات عقدتها اللجنة الوزارية المعنية بتحديد آلية العمل بالبطاقة التمويلية، من دون أن تحرز أي تقدم. كل النقاشات عامة، ولا حسم لأي مسألة بانتظار اقتراحات لا تأتي. ولأن المماطلة بدت سيدة الموقف، سعى رئيس الحكومة إلى رمي عبء أيّ تأخير عن كاهله، فراسل أعضاء اللجنة، خطياً، طالباً «بالسرعة الممكنة» وضع تصوّر حول معايير التطبيق وآليّته.
مرّت 15 يوماً على إقرار قانون البطاقة التمويلية، من دون حصول أي تطور. بدلاً من أن تكون البطاقة قد تحوّلت إلى أمر واقع، بالنظر إلى الحاجة الماسّة إليها، ربطاً برفع الدعم عن معظم السلع، وربطاً بانهيار القدرة الشرائية، لا تزال اللجنة الوزارية المعنية بتحديد آلية الاستفادة من البطاقة غارقة بأفكار عامة لا تختلف عن تلك التي لطالما طُرحت في الاجتماعات التحضيرية. لكن الأسوأ من ذلك أن القانون لم يصدر بعد. فرئيس الجمهورية، بالرغم من مرور 15 يوماً على إقرار القانون، لم يوقّعه بعد، من دون أن يتّضح السبب. «الحسنة» الوحيدة لعدم التوقيع، هي إراحة اللجنة الوزارية من ضغط المهلة التي حدّدها القانون. فالمادة الخامسة من القانون تشير إلى أن معايير وآلية تطبيق القانون توضع بقرار مشترك من قبل لجنة برئاسة رئيس مجلس الوزراء تضم وزراء: المالية والاقتصاد والشؤون، بالتشاور مع الجهات الدولية المعنية، خلال مهلة 15 يوماً.
وبالرغم من عدم بدء سريان المهلة عملياً (تبدأ بعد توقيع القانون من رئيس الجمهورية ونشره في الجريدة الرسمية)، فإن ثلاثة اجتماعات عقدتها اللجنة، آخرها يوم أمس، لم يتم إحراز أي تقدم فيها. فالوزراء لا يملكون رؤية واحدة، لكل الخيارات المطروحة، إن كان ما يتعلق بالجهة التي ستخوّل إصدار البطاقة، أو الفئة التي ستستفيد منها والمعايير المطلوبة لذلك وآلية الموافقة، أو طريقة عمل المنصة والجهة المسؤولة عن إدارتها، أضف إلى أنه لم يحسم حتى ما إذا كانت ستُدفع بالدولار أو بالليرة. فمصرف لبنان لا يزال يرفض تغطية الفارق في كلفة البطاقة، أي ما يعادل 260 مليون دولار بالدولار، ويُصرّ على دفعها بالليرة.
لكن بحسب المعلومات، فقد أبدت المصارف رفضها تولّي مهمة إصدار البطاقة، فذهب النقاش إلى إمكانية أن تصدرها شركة مالية متخصصة، على أن تتقاضى رسوماً رمزية. أما في ما يتعلق بالمعايير، فقد كان واضحاً أن لا أحد يملك وجهة محددة، لكن يفترض أن يتم اللجوء إلى اعتماد العناصر الآتية: قيمة الوديعة المصرفية إن توفرت، عدد السيارات في المنزل، عدد المساعدين المنزليين إن توفروا، استفادة المودع من حقوق السحب وفق التعميم الرقم 158، قيمة الراتب في حال كان المتقدم موظفاً…
وبالرغم من طرح كل هذه النقاط والأفكار، إلا أنه لم يبتّ أو يحسم أي منها، بما يعني أن النقاش لا يزال، حيث كان، حتى قبل إقرار القانون. وفيما كان واضحاً أن المماطلة هي سيدة الموقف وأن النقاشات ستطول، سعى الرئيس حسان دياب إلى كسر المراوحة، أو بشكل أدق التبرؤ من أي مسؤولية عن التأخير المتوقّع، فعمد، أمس، إلى مراسلة الوزراء الثلاثة، خطياً، طالباً منهم وضع تصور حول معايير وآلية تطبيق القانون.
واعتبر دياب أنه نظراً إلى الحاجة الملحّة للسير بموضوع البطاقة، لما له من أهمية قصوى في دعم القدرة الشرائية للشرائح الاجتماعية المستفيدة، واستدراكاً للوقت الذي قد يحتاج إليه تنفيذ المتطلّبات المذكورة فور صدور القانون، طلب «بالسرعة الممكنة» وضع تصور حول معايير وآلية التطبيق ويشمل النقاط الآتية:
إعداد تصور شامل حول المنصة التي تقدم من خلالها طلبات الاستفادة.
تحضير نموذج الطلب أو الاستمارة الواجب تعبئتها.
إعداد دليل توجيهي يُسهّل على المواطنين تقديم الطلبات.
تنظيم حملة إرشاد وتوعية للمستفيدين المحتملين.
تحديد المعايير الواجبة للاستفادة من البطاقة.
تحديد آلية دراسة الطلبات التي تقدم من خلال المنصة.
إنشاء مركزية معلومات لدى المصرف المركزي للتأكد من وجود حسابات دائنة للمستفيدين.
تحديد آلية لنظام الشكاوى والاعتراض.
وإضافة إلى ما سبق، دعا دياب الوزراء إلى اقتراح ما يرونه ويجدونه مناسباً من إجراءات لتسهيل إطلاق البطاقة ووضعها موضع التنفيذ. كما طلب منهم التنسيق مع نائبة رئيس مجلس الوزراء زينة عكر، بصفة أنها شاركت في الاجتماعات التحضيرية والمناقشات النيابية كما وسائر الوزارات والإدارات والجهات المعنية.
المشكلة الفعلية أن كل ما يطرح في اللجنة أو ما يطرحه رئيس الحكومة في طلبه، سبق أن نوقش في اجتماعات استمرت لأشهر طويلة، من دون التوصل إلى أي قرار يسمح، عند إقرار البطاقة، بالسير مباشرة في تنفيذها. ولذلك، فإنه حتى بعد توقيع رئيس الجمهورية للقانون، لن تكون اللجنة قادرة على إنجاز مهمتها بسرعة، ولا سيما ما يتعلق بآلية تحديد الأسر المستفيدة، هي العقدة الأكبر. فاللجنة الوزارية السابقة أثبتت، في مقاربتها للمسألة، أنها منفصلة عن الواقع، وتتعامل مع البطاقة بوصفها مساعدة للأسر الأكثر فقراً، لا لكل الأسر المتضررة من الانهيار الحاصل، والتضخم الهائل في الأسعار. ولذلك، لم تتردد في التداول بمسوّدة استمارة يفترض من خلالها تحديد الأسر المستفيدة، وضمّت العناصر الآتية:
- إذا كان لدى العائلة أفراد يعملون خارج لبنان.
- إذا كان معدّل دخل الفرد في العائلة يفوق المليوني ليرة.
- إذا كان مجموع الأموال في الحسابات المصرفية للعائلة يفوق 100 مليون ليرة.
- إذا كان عدد السيارات للعائلة الواحدة يفوق السيارة الواحدة.
المسودة حُوّلت إلى وزارة الشؤون الاجتماعية لوضع ملاحظاتها عليها، فاختصرت الأسئلة. كما فصلت شرائح الدخل ونوع العمل وقطاع العمل. إضافة إلى وضعها تعريفاً للأسرة، من دون أن تحدد من يستحق ومن لا يستحق الحصول على البطاقة.
ما سبق من نقاشات، مضافاً إلى نقاشات اللجنة الحالية، يوحي بأن إنجاز لوائح المستفيدين سيحتاج إلى أشهر طويلة، وربما إلى سنوات. فهي أقرب إلى سجل اجتماعي، وليس فقط لوائح مستفيدين من بطاقة دعم. يكفي معرفة أن وزارة الشؤون الاجتماعية نفسها لا تزال حتى اليوم غير قادرة على حسم عدد الأسر الأكثر فقراً، والذي لا يزيد على 50 ألف أسرة، كما لم تحسم لائحة المستفيدين من قرض البنك الدولي (شبكة الأمان الاجتماعي)، والتي تستهدف 161 ألف أسرة. وعليه، هل حقاً ستتمكّن الحكومة من إنجاز لوائح المستفيدين من البطاقة التمويلية، قبل رفع الدعم عن المحروقات، أي قبل أيلول المقبل؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك