كتب كبريال مراد في موقع mtv:
فتح سؤالي لأحد الأصدقاء "كيف كانت سفرتك؟" الباب على وجه من وجوه واقعنا المأزوم. فقد تحوّلت سفرة صديقي لأحد البلدان الأوروبية الى جولة على الصيدليات والسوبرماركات، بعد أن استلم عبر الواتساب طلبيات الأصدقاء والأقارب من أدوية ومواد أخرى، تفتقدها الأسواق اللبنانية. "ما رحت ع فرنسا"، قال صديقي، "حملت شاريو وبرمت بالصيدلية لأمّن يلي انطلب منّي من الأهل والأصحاب".
هكذا، لم يعد المغترب العائد الى لبنان لقضاء العطلة يحمل معه زجاجة من عطر فاخر، او مستحضرات تجميل لصديقته، او قميصاً او حذاء من إحدى الماركات العالمية، بل علبة دواء أو أكثر، او مجمع نيسكافيه، او حليب أطفال.
لم يعد سؤال قاصدي بيروت من لبنانيي الاغتراب "شو بدّك جبلك معي؟"، بل بات السؤال "أي دواء بدّك شفلك؟".
لقد تحوّلت حقائب العائدين الى لبنان الى "صيدليات طائرة" بين دول الخليج واوروبا واميركا والعالم الى بلاد الأرز.
أعرف صديقاً "مقضيها رايح جايي" بين لبنان وتركيا، ومع كل سفرة "توصاية" للأقربين والأبعدين من الأدوية التي خلت منها رفوف الصيدليات. بينما يقول البعض إن بعض المستودعات "غير الرسمية" تحتوي على كميات من هذه الأدوية. ولكن، وعلى الرغم من أنه جرى ذكر هذه المعلومة أكثر من مرة عبر الإعلام، لم يتحرّك المعنيون للمداهمة والسؤال ولو شكلياً "لفش خلق الناس". فمع الأسف، الاستقالة ليست من تصريف الأعمال فقط، هي استقالة الدولة من الدولة، وتفتفت اوصال ما بقي منها، وبالنسبة الى كثيرين "الدني عم تشتي".
تسأل صيدلياً عن دواء معيّن فيجيب "حكيني بهل يومين بركي بيجينا كم علبة". وتقصد صيدلية طلباً لقطرة للعيون فلا تجدها. تستغرب فقدانها على رغم أن سعرها 5000 ليرة فقط. فيجيبك الصيدلي العتيق "القصة مش بالسعر. ما تتعذب ما رح تلاقي منها... الدولار طلوع، واوضاع الصيادلة نزول... لا نحنا قادرين نبيع، ولا الشركات قادرة تكفي... وحلّها اذا فيك".
ليس وضع الصيادلة فقط نزول... والدولار طلوع. فلبنان نازل نزول بلا فرامل ولا ضوابط، ولا رؤية على الحل والخروج من الأزمة. من يتابع جولات السفراء ولقاءات اصحاب القرار في الخارج يتأكّد أن الحل لن يكون "صنع في لبنان"... نحن ننتظر وصفة حلّ خارجي يحملها ديبلوماسي في حقيبته، لعلّها تكون الدواء الشافي لما تبقى من الدولة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك