كتب منير الربيع في "المدن":
لم يختر رئيس الجمهورية ميشال عون تخصيص كلمته المسائية الموجهة للبنانيين لمعضلة الحكومة، بل لملف التدقيق الجنائي، بعد تغريدته التي وجه فيها تحذيراً "للجانب اللبناني".
أنا وباسيل الحكومة
حكومياً، ما قاله عون ورد في البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية عقب لقائه مع وزير خارجية مصر سامح شكري. وذكر البيان ما قاله عون للوزير المصري: "إذا ما توافرت إرادة حقيقية للخروج من هذه الأزمة، فمن خلال اعتماد القواعد الدستورية والميثاقية التي يقوم عليها النظام اللبناني، وبالتعاون مع جميع الأطراف اللبنانيين من دون إقصاء او تمييز".
الموقف واضح، ولا يوحي بأي تراجع من رئيس الجمهورية. فعبارته القواعد الدستورية والميثاقية، تعني مشاركته في اختيار الوزراء وتشكيل الحكومة. أما التعاون مع جميع الأطراف وبدون إقصاء أو تمييز، فيعني الإصرار على مبدأ اللقاء بين الحريري وجبران باسيل. ويعني أيضاً أن الحريري لا يمكنه العمل على تشكيل حكومة بالتعاون مع القوى السياسية، ويستثني باسيل.
وتقصّد المسؤولون في القصر إصدار هذا البيان، وإطلاق الموقف أمام وزير الخارجية المصري، بسبب ما يعتبره رئيس الجمهورية انحيازاً مصرياً لسعد الحريري.
وموقف عون لن يتغير إذاً، بغض النظر عن المواقف الدولية، سواء كانت مصرية أم فرنسية: الحكومة تمرّ عبر جبران باسيل.
مصر وبكركي
وأما مصر فتقول إنها منحازة لتشكيل حكومة وفق معايير الاختصاص، بعيداً عن حسابات السياسة. ولا يمكن لأي طرف أن يستغل عملية تعطيل تشكيل الحكومة أو الإفراج عنها لتعويم نفسه أو تحقيق مكاسب سياسية.
وأكثر من ذلك، فالأهم لمصر هو لقاءها مع توجهات البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي يتمسك بتشكيل حكومة اختصاصيين تحافظ على الدستور والطائف ولا تعمل على تكريس أعراف جديدة. وبناء على التقارب في المواقف بين مصر وبكركي، سلم شكري دعوة للبطريرك الراعي لزيارة مصر.
ووفق المعلومات لم يقدم شكري أي طرح جديد أو مبادرة، بل تمسك بمبدأ تشكيل حكومة، بلا ثلث معطل ومؤلفة من اختصاصيين. وتؤكد المعلومات أنه فوجئ بشدة من موقف عون، وخصوصاً في مسألة آلية التشكيل، والطروحات التي تقدم بها ممتعضاً من الموقف المصري الذي اعتبره مؤيداً للحريري.
إجراءات فرنسية ضد العهد
وبما أن هذا هو الجو العوني - الباسيلي الثابت، فليس من بوادر إيجابية للاتفاق على تشكيل الحكومة بالمعايير الداخلية. وحتى سعي فرنسا في الأيام الماضية، لم تنجح لا في جمع الحريري - باسيل، ولا في إقناع أحدهما بالتنازل للآخر.
وباريس لم تتمكن من استقبال باسيل كشخص خاضع لعقوبات أميركية. إذ لا يمكن إغفال هذه المسألة في الاعتبارات الفرنسية، وخصوصاً بدون ضمانة باسيل بالتسهيل، ومن دون رعاية دولية وإقليمية لمثل هذه الخطوة.
وأثناء زيارة الوزير المصري لبنان، كان وزير الخارجية الفرنسي يهدد باللجوء إلى إجراءات قاسية ضد المسؤولين اللبنانيين. وتشير المعلومات إلى أن آلية فرض العقوبات الأوروبية معقدة وطويلة. ولكن هناك بحث في باريس في احتمال اتخاذ إجراءات قاسية ضد "العهد": من تجميد حسابات وأموال منقولة أو غير منقولة، أو إصدار منع سفر بحق بعض الشخصيات المحسوبة على العهد.
في انتظار ضغط دولي كبير
وسط هذا الواقع، أسئلة كثيرة تطرح في الدوائر اللبنانية: هناك من يعتبر أنه لا يمكن الرهان على أي تحرك، ولا يمكن تحقيق أي تقدم، من دون ضغط كبير من الخارج. وتحديداً من قبل الولايات المتحدة الأميركية. صحيح أن هناك تنسيق - فرنسي أميركي، وفرنسي - مصري، وفرنسي - خليجي، ولكن ليس من غطاء متكامل للفرنسيين حتى الآن، إلا وفق معايير محددة.
وهناك من يرى أن الحريري في موقفه لا يتسند فقط على دعم الفرنسيين أو المصريين. وهو ولم يكن قادراً على اتخاذ هذا الموقف الصلب، من دون إشارة خارجية معينة: أميركية تحديداً، يستند إليها.
المعطيات كلها تؤكد أن مسار تشكيل الحكومة لا يمكن أن يحقق تقدماً جدياً قبل اتضاح صورة وحقيقة الموقف الأميركي.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك