كتب عيسى يحيى في "نداء الوطن":
طارت الحكومة إلى أجلٍ غير مسمى، وتدهورت معها أوضاع الناس أكثر فأكثر، ولفحت نار جهنّم التي بشرّ بها رئيس الجمهورية وجوه اللبنانيين، وبدأ أهالي بعلبك ـ الهرمل يستشعرون الوضع الكارثي الذي وصلت إليه البلاد، وسط إرتفاع الأسعار وفقدان المواد الغذائية والمحروقات.
لا حلول تلوح في الأفق وتبشّر بحلٍّ قريب للأزمة التي يعيشها الناس وسط تخوّفهم من الأسوأ. فالبضائع والمواد الغذائية بدأت تنفد من المحال والسوبرماركت، إضافةً إلى توقّف البعض عن المبيع منذ أسبوع بانتظار مطلع الأسبوع الحالي، على أمل أن تتشكل الحكومة أو تظهر بوادر إيجابية تلجم الإرتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار، ما يسمح للموزّعين وأصحاب المحال بتسعير بضاعتهم وِفق المعقول. ويشير صاحب سوبرماركت في بعلبك لـ"نداء الوطن" الى "أنّ الضياع الذي يعيشه التجّار ينعكس علينا وعلى المواطنين، فالجميع يمتنع عن تسليم البضائع لمعرفة مصير الدولار، وبالتالي نتوقّف نحن أيضاً عن بيع الناس، فلا يمكننا أن نبيع بسعر، ونشتري بضائع وِفق سعر صرف أغلى"، مضيفاً "أن العديد من أصحاب السوبرماركت توقّف منذ أسبوع عن بيع اللاجئين السوريين الذين يحملون بطاقة تغذية وكذلك اللبنانيين الذين معهم بطاقة التغذية من وزارة الشؤون الإجتماعية، فالدولة تتأخر في تسديد الحسابات والخسائر تقع على رؤوسنا".
يشكو التجّار وأصحاب محال بيع المواد الغذائية من جنون سعر الصرف، ويغضّون النظر عن البضائع المدعومة التي اختفت عن الساحة البقاعية إلا في ما ندر، وإذا وُجدت في أحد المحال فهي تختفي خلال يوم واحد. وخِلافاً لمختلف المناطق، لم تشهد بعلبك ـ الهرمل حتّى الآن خلافات وتضارباً على المواد المدعومة، وسط دعوات على وسائل التواصل لعدد من الناشطين للكشف على المحال التي تخفيها في مخازنها وفضحها أمام الرأي العام، ولافساح المجال امام الناس لكي تستطيع شراء حاجاتها وِفق إمكاناتها، كذلك كانت الدعوات الى مقاطعة شراء البيض والبطاطا بعد إرتفاع أسعارهما بشكل هستيري.
"كرتونة البيض وصلت إلى 35 ألف ليرة في بعلبك وكأنّ الدجاج يبيض ذهباً"، بهذه الكلمات يصوّر الستّيني أحمد ر. حال الأسعار، ويشير الى "أنّ الغلاء وصل حدّ الجنون ولم يعد باستطاعتنا مجاراته أو تحمّله، وبالرغم من ذلك ترى الناس تشتري لتطعم أولادها في ظل الخوف من فقدان المواد"، متسائلاً "عن وضع الناس وكيف يمكن أن تتحمّل ما يحصل، ونحن على أبواب شهر رمضان"؟ ليستدرك قائلاً: "الناس تعوّدت على الجوع، واقتصدت في مصروفها وفي الوجبات، وتأقلمت قبل شهر رمضان والصيام، فنحن نعيش الصيام الطويل منذ أشهر".
الغلاء وفقدان بعض المواد ينسحبان على المحروقات، فمعظم محطات الوقود ترفع خراطيمها بعد الثانية ظهراً ومع نهاية الأسبوع، بانتظار التسعيرة الجديدة وتسليم البضاعة من قبل الشركات الموزّعة، حيث عادت طوابير الذلّ لتصطفّ عند مداخل المحطّات وتبتاع البنزين والمازوت بالقطّارة. ويسجّل لأصحاب بعض المحطّات في بعلبك ـ الهرمل إحتكارهم للمواد وإمتناعهم عن بيعها، شأنهم شأن سائر أصحاب المصالح والمحال الذين يقتنصون الفرصة والأزمات لتجميع الأموال والأرباح على حساب اللبنانيين، حتّى أصبحوا شركاء الطبقة الحاكمة في تجويع الناس وإذلالهم. أكثر من خمس محطّات جال عليها عبدو كي يملأ خزّان سيارته بما إستطاع من مادة البنزين، وبعد جهدٍ جهيد إستطاع تأمين المادة، ولكن بسعر 56 ألف ليرة لبنانية للصفيحة الواحدة، مشيراً الى أنّ الكثير من المحطّات التي جال عليها كانت تبيع المازوت فقط وتدّعي نفاد البنزين، ووصل سعر صفيحة المازوت إلى 40 ألف ليرة، إن وجدت، "والناس بطبيعة الحال مضطرّة الى التعبئة للتدفئة، وكذلك نحن على أبواب فصل الصيف ويحتاجها المزارعون لريّ مزروعاتهم وأشجارهم".
وسط كل ذلك، تغيب فرق وزارة الإقتصاد وحماية المستهلك عن الساحة البقاعية، فلا مراقبة للاسعار أو الكشف عن المواد المدعومة وغيرها من وقود وما شابه. وفيما أشارت معلومات لـ"نداء الوطن" الى أنّ عاملين في الوزارة يبلغون مؤسّسات تجارية وسوبرماركت بمواعيد الزيارات التفقدية لفرق حماية المستهلك، تعيش المنطقة الأمر منذ زمن، حيث كانت فرق الوزارة قبل الأزمة تغطّي أصحاب محال خضار وغيرها تعود ملكيتها لسوريين مقابل بدل مادي وبضائع مجّاناً، فكيف الحال اليوم؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك