"الراي الكويتية":
لم يكن عابراً أن يكون «أول الكلام» بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون تناول الوضع اللبناني من باب تأكيد «سيد الاليزيه» أن بلاده ستتعاون مع واشنطن في شأنه كما النووي الإيراني.
وإذ بدا من المبكر في رأي أوساطٍ واسعة الاطلاع اعتبار هذا التطور بمثابة نجاحٍ لباريس بانتزاع تفويضٍ من الإدارة الأميركية الجديدة لقيادة مسارِ تفكيك الأزمات المتشابكة التي تقبض على «بلاد الأرز» في ضوء عدم تبلور السقف الذي ستعتمده واشنطن في مقاربة الواقع اللبناني من زاوية ارتباطه بالملف الإيراني، فإن الأمرَ يعكس بالتأكيد إعلانَ نيةٍ صريحاً من فرنسا بأن المبادرة التي كان أطلقها ماكرون في أعقاب الانفجار الهيروشيمي في مرفأ بيروت، لتشكيل حكومة مَهمة من اختصاصيين مستقلين تتولى تنفيذ دفتر شروط إصلاحياً، لم تنتهِ وأن فرنسا ستعاود تحريكَها بعد «تعليقٍ» أمْلته بالدرجة الأولى المرحلة الانتقالية في واشنطن.
على أن الأوساط المطلعة لا تُبْدي تفاؤلاً بأن هذه «الإشارة» الفرنسية ستُفضي، أقلّه في المدى المنظور، لخلاصات مغايرة عن تلك التي اصطدمت بها المبادرة إبان إدارة ترامب، والتي جاءت مزيجاً من تَشَدُّدٍ أقصى لهذه الإدارة - من ضمن الصراع الكبير مع إيران - عبّرت عنه العقوبات غير المسبوقة ضدّ سياسيين نافذين بينهم رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، ومن تعقيدات لبنانية مفتوحةٍ على مقتضيات المواجهة الأميركية – الإيرانية، لافتة إلى مسألتين يجب أخْذهما بالاعتبار في معرض تقويمِ آفاق تدليك التحرّك الفرنسي لبنانياً:
* الأولى أن الاشتباكَ الداخلي تعاظَم إلى حدودٍ ناهزت حرْق المراكب خصوصاً في العلاقة بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، وصولاً إلى ارتسام «نَعَمَتين سلبيتين» متبادلتين على هذا الصعيد قوامهما: فلتبقَ حكومة حسان دياب المستقيلة (يرفعها فريق عون) ما لم يتنازل الحريري عن معاييره (لحكومة اختصاصيين من غير الحزبيين ولا ثلث معطلاً فيها لأي فريق لوحده) وسط تحبيذ فريق عون حكومة سياسية ولو بغير حزبيين، مقابل فليبقَ عهد عون حتى نهايته (2022) بحكومة تصريف أعمال ما لم يُلاقَ الرئيس المكلف في مرتكزات تشكيلته التي يعتبر أنها مطابقة لمواصفات المبادرة الفرنسية ولا يمكن بغيرها استمالة المجتمعين العربي والدولي لدعم لبنان مالياً.
* والثانية أن جوهر المبادرة الفرنسية الذي قام على محاولة عزْل الواقع اللبناني وقطع «الأوعية المتصلة» التي تربطه بأزمات المنطقة، والذي قاد باريس في بعض محطات المبادرة إلى تراجعاتٍ في محاولة لإنقاذ المبادرة في ذاتها لا يبدو أن طريقه ستكون أكثر سهولة، في ضوء تسليم فرنسا نفسها أخيراً بالترابط بين المفاوضات حول النووي الإيراني وبين مساريْ الصواريخ البالستية وأدوار طهران المزعزعة لاستقرار دول المنطقة، كما عدم واقعية أي تصوُّر بإمكان الالتفاف على مصالح إيران ولا نفوذها الطاغي في لبنان (حلفاؤها يُمسكون بكل مفاصل السلطة)، وهو ما يقابله استحالة إمرار أي صفقة إنقاذية للبنان بمعزل عن «الرافعة» الخليجية التي ترسم خطاً أحمر عريضاً حول أي «عودة» إلى «بلاد الأرز» ومساعدة لها ما دامت في الحضن الإيراني و«حزب الله» على وضعيته فيها.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك