بقي المشهد الأمني المتفلت على الحدود الشرقية، بعد الاشتباكات الدامية بين هيئة تحرير الشام ومسلحين تابعين لـ«حزب الله»، محور متابعة رسمية على أعلى المستويات، في وقت أعلن الجيش حالة الاستنفار في هذه المنطقة، بعد دخول المسلحين السوريين إلى بلدة حوش السيد علي، إضافة إلى تعرّض العديد من البلدات اللبنانية الأخرى المجاورة للقصف.
وقد ارتفعت وتيرة الاتصالات بين مسؤولين لبنانيين وسوريين في الساعات الماضية، لتعزيز وقف إطلاق النار، وبما يمهد الطريق لانسحاب المسلحين السوريين من كلّ الأراضي اللبنانية بشكل كامل، على أن يتسلم الجيش اللبناني مسؤولية الأمن في البلدات التي يتم إخلاؤها. وبعد التطورات الميدانية المقلقة التي حصلت في الأيام الماضية على جانبي الحدود، ارتفع منسوب الخوف لدى الكثيرين من سكان المناطق الحدودية بين لبنان وسوريا، من أن تكون الأمور قد دخلت فصلاً جديداً من فصول المواجهات العسكرية التي لم تنته بين «حزب الله» والفصائل السورية المسلحة. انطلاقاً من بوابة العشائر على الجانب اللبناني من الحدود، بعد تزايد اتهامات الحكم الجديد في سورية ل»الحزب» بدعم فلول النظام السابق الذين حاولوا السيطرة على عدد من المناطق على الساحل السوري.
وكشفت المعلومات، أن القيادة السياسية في لبنان تدرك حجم المخاطر التي قد تستجلبها التطورات الأمنية الأخيرة على الحدود الشرقية. وبعدما برز دور «حزب الله» الداعم لمقاتلي العشائر في هذه المنطقة. وهو أمر يقلق كثيراً قيادة الجيش التي تعي المخاطر التي قد تتأتى عن تجدد المواجهات المسلحة وإمكان اتساع نطاقها. ولهذه الغاية كان القرار حاسماً من قبل القيادة، وبدعم رئاسي وحكومي على ضرورة أن يبسط الجيش سيطرته الكاملة على مناطق التوتر، بعد انسحاب جميع المقاتلين السوريين، وأن تتولى وحدات الجيش إقفال كل معابر التهريب، والتصدي بحزم لكل عمليات التهريب على جانبي الحدود. ومن المتوقع أن تتزامن الإجراءات العملياتية التي سيتولاها الجيش اللبناني، مع حركة اتصالات رفيعة مع الجانب السوري، باعتبار أن التواصل السياسي بين بيروت ودمشق، من شأنه أن ينزع فتيل التوتر الأمني على جانبي الحدود، ويساعد على ضبط الأمور بشكل كبير. ولم تستبعد مصادر سياسية قيام مسؤولين لبنانيين بزيارة العاصمة السورية، من أجل العمل على معالجة تداعيات ملف الحدود وضبطها، حفاظاً على استقرار وسيادة البلدين.
وسط هذه الأجواء، وفي الوقت الذي يرفض لبنان أي توجه لمفاوضات مباشرة مع إسرائيل، قد تفضي إلى السير بتسوية سياسية تنتهي بتطبيع العلاقات، كشفت معلومات مستقاة من دوائر رسمية أميركية، أن إسرائيل أبلغت إدارة الرئيس دونالد ترامب أنها جادة في موضوع التطبيع مع لبنان، وأنها طلبت من واشنطن أن تتولى البحث في هذا الملف مع الجانب اللبناني، من خلال اتصالات قد يتولاها موفد الرئيس ترامب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف في مرحلة لاحقة، لكن من دون صدور أي موقف رسمي أميركي بهذا الخصوص. وتشير المعلومات إلى أن الرئيس ترامب عازم على السير باستكمال اتفاقات ابراهام التطبيعية مع الدول العربية، على غرار ما قام به في ولايته الأولى. وتحت هذا العنوان، ستعمل الإدارة الأميركية وفقاً لما كشفته هذه المعلومات، على التركيز في المرحلة المقبلة على إيجاد حل للخلافات الحدودية البرية بين لبنان وإسرائيل، في إطار خطة السلام التي تعمل إدارة ترامب على إنجازها. وهذا أمر يتعامل معه لبنان بكثير من الحذر، بالنظر لمحاذيره الداخلية، رافضاً تقديم أي تنازلات على هذا الصعيد.
وفيما يعقد مجلس الوزراء جلسة له، الخميس المقبل في السراي الكبير، لاعتماد الصيغة النهائية لمنهجية التعيينات الادارية، علم أن الحكومة تتجه لاستكمال التعيينات العسكرية والأمنية في وقت قريب، على أن تكون الأولوية لتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، في إطار مواكبة التحضيرات الجارية، لعقد مؤتمر دولي لدعم إعادة الإعمار في لبنان في باريس الذي أعلن عنه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون. وهذا الملف سيكون بنداً أساسياً على طاولة المحادثات بين ماكرون ونظيره اللبناني جوزاف عون في قصر الاليزيه في الثامن والعشرين من الجاري.
ويكتسي مؤتمر باريس أهمية كبيرة، بالنظر إلى ما تمثله هذه الخطوة على صعيد تأمين المال الضروري لإعمار ما دمره العدوان الإسرائيلي على لبنان. ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا من خلال وقف أشقاء لبنان وأصدقائه إلى جانبه في هذه المهمة الصعبة.
وأشارت المصادر إلى أن باريس ستتولى عملية التنسيق مع الجانب الأميركي ودول عربية وخليجية، من أجل تهيئة المناخات التي تساعد على إنجاح المؤتمر، وبما يساعد لبنان على توفير الإمكانات الهادفة إلى تلبية شروط إعادة الأعمار. ويعول لبنان على دعم الدول الخليجية من أجل إنجاز هذه المهمة التي لا يستهان بها، بعد استبعاد الدور الإيراني على هذا الصعيد، في ظل ما تعانيه إيران من ظروف إقتصادية صعبة، تجعلها غير قادرة على تأمين الدعم المالي للبنان في ملف إعادة الإعمار. ويبرز في هذا الشأن توجه لبناني واضح لإعادة ترتيب العلاقات بين بيروت وطهران، في إطار احترام سيادة واستقلال البلدين، مع أهمية إعادة مد جسور التلاقي مع المجتمعين العربي والدولي، سعياً لتأمين كل مقومات النهوض للبنان من أزماته، وبما يفتح أبواب المساعدات الخارجية التي يحتاجها.
في هذا الخصوص، لا تستبعد المصادر السياسية، احتمال إيفاد الرئيس ماكرون لمبعوثه الخاص جان إيف لودريان إلى لبنان، في زيارة تسبق زيارة الرئيس عون إلى العاصمة الفرنسية، في ظل معلومات ترجح أن يكون للودريان دور أساسي بتكليف من الرئيس الفرنسي في موضوع إعادة الأعمار.
كما أنه من غير المستبعد كذلك، أن تتولى باريس دوراً محورياً، إلى جانب واشنطن في ملف ترسيم الحدود اللبنانية مع إسرائيل وحل المشكلة البرية. لكن في المقابل، فإن الفرنسيين، على غرار الأميركيين والدول الخليجية والمؤسسات المالية الدولية، ينتظرون أن يقوم لبنان بما عليه، على صعيد القيام بالإصلاحات الاقتصادية والمالية الضرورية، باعتبار أن أي دعما خارجيا للبنان سيكون مرهوناً بهذه الإصلاحات. وينتظر المؤتمرون في باريس، أن يقدم لبنان برنامجاً مقنعاً، يتضمن عرضاً واضحاً لمسار الإصلاحات التي طالب بها صندوق النقد الدولي خلال زيارته الأخيرة بيروت، حيث حصل على تعهد رسمي بالتزام الحكومة اللبنانية تنفيذ ما يتوجب عليها على هذا الصعيد. وقد أكد رئيس الجمهورية على هذا الالتزام خلال لقائه وفد الصندوق، ومع مسؤولي الدول المانحة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك