قد تكون المرّة الأولى ربما، حيث يشهد الجنوب كلّ هذا الدمار والخراب. فهو منذ أربعينات القرن الماضي يعيش الويلات. ولم يرتح يوماً. وقد تكون الحروب مع إسرائيل هي الأقسى والأكثر دماراً ومجازر. وما زالت صورة تلك الحوادث راسخة في عقول كثير من أبناء القرى الحدودية، وتحديداً أبناء بلدة حولا التي تعرّضت لواحدة من أكبر المجازر في ثمانينات القرن الماضي، ومذ ذاك الوقت، دمغ اسمها بتلك المجزرة.
انتهت حرب الـ 2025 على كابوس وخراب. لم تُبقِ هذه الحرب حجراً على آخر. وقضت على كلّ شرايين الحياة المعيشية والاقتصادية. وتعيش القرى التي شهدت نهضة إنمائية غير مسبوقة ورفاهية ملحوظة قبل الحرب، نكسة كبيرة اليوم. وتُقدّر الخسائر التي طالت القطاعات الاقتصادية والمعيشية بمليارات الدولارات. وتقدر خسائر بلدة ميس الجبل وحدها، والتي تعد المدينة التجارية الأولى في المنطقة، وتشتهر بصناعة وبيع السجاد والمفروشات وغيرها، بمليارات الدولارات بحسب رئيس بلديتها عبد المنعم شقير. ولم يتمكّن أبناء ميس حتى الساعة من دخول البلدة حيث ما زال الجيش الإسرائيلي يحتلها ويطلق نيرانه باتجاه الأهالي والجيش اللبناني.
كان سوق السجاد والمفروشات في ميس قبل الحرب من أشهر الأسواق. ويقصده التجار من مختلف المناطق اللبنانية، نظراً إلى جودة البضائع ورخصها مقارنة مع الأسواق الأخرى. غير أن الحرب دمّرت هذا الشريان بشكل كلي، إسوة بقطاع الزراعة، فالبلدة لم تشهد دماراً مماثلاً. ويقول شقير إنّ "مجمل الخسائر قد يلامس الـ 10 مليارات دولار".
قد يكون القطاع الزراعي الأكثر تضرراً، جرّاء القصف الإسرائيلي الفوسفوري المتعمّد للقرى، ما أدى ليس إلى تلف المزروعات بل إلى تلوث التربة، وانسحب الأمر على الاحراج التي تتميز بها قرى الشريط الحدودي.
حلّت اليوم الكارثة والنكبة على تلك البلدات، التي لم تستفق بعد من هول الدمار، لتنتقل إلى هول اقتصادها العمود الفقري لأبنائها.
وعمل الجيش الإسرائيلي في حربه على تدمير البنى الاقتصادية والحياتية للقرى، لقطع إمدادات الحياة، في إطار سعيه لجعل تلك القرى منطقة عازلة. وقد نجح بالفعل في تدمير كل شيء.
أما عيترون البلدة الزراعية الأولى في "التبغ" والتي يقدر عدد مزارعيها بحوالى ألف مزارع، فضُرب اقتصادها بشكل كامل. وإضافة إلى الزراعة، يعتمد معظم أبناء عيترون على تربية الماشية، ويضم هذا القطاع نحو 50 مربياً يملكون قرابة 500 بقرة، إضافة إلى وجود 30 نحّالاً يملكون 4000 قفير ينتجون 25 طنّاً من العسل سنوياً، يوازي 300 ألف دولار، بحسب رئيس بلدية عيترون سليم مراد. ولفت إلى أنّ "أصحاب الماشية إما باعوا أبقارهم بأسعار رخيصة وإما جرى نقلها خارج البلدة. أمّا النحل فتعرّض لنكسة خطيرة جدّاً، فالفوسفور الأبيض قد ترك أثره الكبير على الحياة الحيوانية، والنّحل أكثر المتضررين".
وتتميّز عيترون بإنتاج الألبان والأجبان وتصديرها إلى السوق المحلي. كان يوجد في البلدة مصنعان لصناعة الأجبان والألبان يستوعبان ثلاثة أطنانٍ من الحليب شهريّاً، وصناعة ثمانية أصناف من الأجبان، غير أنّ الحرب دمّرت المصنعين .
منذ انتهاء هدنة الـ 60 يوماً، ودخول أبناء تلك القرى إلى بلداتهم، بدأ يتكشّف حجم الأضرار والدمار، والسؤال الوحيد الذي يدور في هواجس الأهالي وأصحاب المصالح، هو من سيعوّض عليهم خسائرهم؟ وهل سيكون التعويض مثل حجم الخسارة؟ أم "من الجمل أذنه"؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك