كتب عبدالله عبد الصمد في "نداء الوطن":
منذ بداية الأزمة المالية في لبنان أخذت أسعار الخرطوش بالارتفاع، حتى وصلت إلى حدّ تجاوزت قدرة الصيادين على شرائه، فتنفّست الطبيعة الصعداء لأكثر من سنة على الأقل، وبات من الطبيعي أن يصادف هواة الهايكنغ طيوراً أو حيوانات كانت على شفير الانقراض. ثم تم اكتشاف طريقة لصيد الحيوانات بالمجان، من خلال "الفخاخ"، فكانت الكارثة البيئية العظمى.
انطلقنا من مرج بسري صعوداً بمحاذاة نهر الأولي، على مقربة من مجراه. وجهتنا الشمال، غايتنا البحث عن "فخاخ" تتربّص بكل ما يمرُّ بها من حيوانات. كان برفقتنا "زياد" صاحب "فخاخ" فولاذيّة موزعة على طول المعابر من الوادي الذي يحتضن النهر إلى الأراضي الزراعية القريبة.
خلال صعودنا الشاق، يخبرنا أنه تعرّف إلى طريقة جديدة شبه مجانيّة للصيد، تعتمد على "فخاخ" رخيصة الثمن، هي عبارة عن سلك فولاذي يشبه ذلك الذي يستخدم لربط دواسة البنزين في السيارة. بحيث يُجدل عند طرفيه على شكل حلقة في كل جهة، يمرّ السلك نفسه من خلال إحداهما، بينما تُربط الأخرى بإحكام بشجرة كبيرة. لدى مرور الحيوان من خلاله، يضيق السلك على جسده فيحبسه، أو يخنقه أحياناً.
عشرون سلكاً موزعة على المعابر الإلزامية للحيوانات، كانت كفيلة بأن تقيم مجزرة حقيقية للطبيعة. ثمانية وعشرون حيواناً تُصنَّفُ صالحة للأكل، كالنيص والغرير والخنزير البري، وعشرات الثعالب وبنات آوى، كانت جميعها طرائد في جعبة، بل في ذمة، "زياد" لهذا الموسم.
كلّ ما لا يؤكل يُرمى على ضفة النهر ليزيد منسوب التلوث في الماء والهواء، تاركاً فراغاً في دائرة التوازن الطبيعي. وحدها الغربان سعيدة بما يجري، فقد رأيناها بأم العين تحوم هنا وهناك وتتوزع فوق الجيف. في المقابل، يقول "زياد" مفاخراً، أنه استغنى عن الملحمة. فما عاد يزورها منذ اهتدى إلى هذه الطريقة، وبات، وفق تعبيره، يُطعم أسرته طعاماً صحياً خالياً من الأدوية.
هذا الرأي غير المبني على أي حقائق صحية أو غذائية، يعتبره البيئيّون ضرباً من تبرير الجريمة. يقول الناشط البيئي نبيل سري الدين لـ "نداء الوطن" إن "جميع الملاحم المرخصة في لبنان تخضع لرقابة صحية، وبالتالي لا يمكننا اعتبار اللحوم المباعة غير آمنة. أما أولئك الحريصون على أدقّ المعايير، فبإمكانهم تربية الدجاج أو المواشي للحصول على مصادر خالية من الأدوية، بدل الصيد بالطرق المؤذية، والتي تعمل، برأيه، بطريقة عكسية، قد تؤدي إلى تدمير البيئة والزراعة معاً. ففي حين يعتمد بعض الصيادين على نصب "الفخاخ" لصيد الخنازير البريّة المؤذية للزراعة، تجدهم يقتلون بواسطتها الحيوانات التي تتغذى على صغارها، مثل الذئاب وبنات آوى والضباع، وبالتالي، يقضون على المفترسات التي تحدّ من تفاقم أعدادها. وقد يؤدي نفوق هذه الحيوانات إلى وفرة في طعام الغربان والطيور الجارحة، ويتيح لها التكاثر والتجمع، ما يساهم في اختلال التوازن الطبيعي للطيور كما للحيوانات.
من ناحية أخرى، على كلّ من يمشي في الطبيعة أن ينتبه لهذه "الفخاخ" الموزعة والمخفيّة بالأغصان والحشائش، حيث تمثّل تهديداً حقيقياً لمحبي المشي الحرّ، أو للصيادين المرخّص لهم، فهي تُخفى في أماكن وعرة وخطرة، قد تودي بالمارة إلى السقوط من أماكن مرتفعة إذا التفّت حول أقدامهم. والأخطر من الأسلاك، هي "الفخاخ" الحديدية التي قد تقطع القدم بحوافها المسنّنة، والتي تستخدم أيضاً بطرق غير قانونية. لذلك يقول سري الدين، إن المسؤولين عن مجموعات الهايكنغ يطلبون من المشاركين الالتزام الدائم بالمسارات المحدّدة والآمنة درءاً للأخطار المحتملة.
يقول عضو المجلس الأعلى لمجموعات الصيد البري، سامر نصرالله: "إن الصياد المحترف لا يقع في خطيئة المصيدة، مهما كان نوعها. فهو لا يستخدم الفخاخ الخطرة، كتلك التي تقطع الأقدام، والتي هي محظورة عالمياً، ويعتبر اقتناءها جريمة موصوفة. أما "الفخاخ" الأخرى، كالقفص أو السلك الفولاذي، فبرأيه، وبالرغم من عدم قانونيتها، تُعتبر أقل إيذاءً للبيئة من الذخائر التي تخترق الأشجار وتتلف النباتات. بالإضافة إلى أنها تمكّن الصياد من إطلاق الحيوانات العالقة فيها، دون أن تُلحق بها أي ضرر". يتابع: "إن الصياد المحترف يعرف أين يضعها، حيث يجب أن تكون في أمكنة بعيدة عن مسارات المشي والهايكنغ، وبعيدة أيضاً عن المرتفعات الشاهقة، وقريبة من الأرض، بشكل يسمح بالتخلص منها بسهولة ودون أذى، بحال علقت بها قدم أحد المارة"، مؤكداً أنها "غير قانونية وغير معتمدة من أعضاء المجلس الأعلى للصيد البري في لبنان، ونحن ملتزمون بعدم استخدامها".
في الثقافة الشعبية اللبنانية، بعض القوانين قد تُخرق دون محاسبة اجتماعية تُذكر، بل بعضهم يفاخر بفعلته إن لم تكن شنيعة. أما خرق الأعراف، فحسابها الاجتماعي قاسٍ ومختلف. في لبنان، يمكن لأي كان عدم الالتزام بقانون الصيد، لكن لا يمكن لأحد إلحاق الضرر بالبيئة، يمكن للمجتمع غض النظر عن قطع الحطب، على سبيل المثال، لكنه لا يرحم من يدمّر الطبيعة. وللمجتمع محكمته التي لا ترحم. لذلك، كان "زياد" مصراً على إخفاء اسمه الحقيقي، وإبقاء موضوع فخاخه سراً عن المجتمع المحليّ.
هذا في ما خصّ الشأن المعنوي الاجتماعي، أما في ما خصّ الشأن القانوني، فبموجب نظام الصيد البري في لبنان، يُفتتح موسم الصيد ابتداءً من 15 أيلول لغاية آخر كانون الثاني من كلّ عام. لكن، بحسب سري الدين "رفضت وزارة البيئة فتح موسم الصيد البري لهذا العام بسبب النقص في أعداد الطيور المهاجرة، وبالتالي مُنع صيد الحيوانات البريّة أيضاً"، ما عدا التراخيص الخاصة بصيد الخنازير البريّة. "لكن بعض الصيادين عمدوا إلى مخالفة القرار، وكان الأخطر بينهم أولئك الذين ما زالوا يستخدمون "الفخاخ" مما شكّل خطراً داهماً على التوازن البيئي".
كان قانون الصيد رقم 580 تاريخ 25/2/2004 قد ذكر صراحة في المادة التاسعة منه "منع الصيد بتاتاً بواسطة البوم والدبق والشباك والمصايد والأشراك"، ويعاقب بالحبس حتى شهر، وبغرامة مالية، أو بإحدى العقوبتين، كلّ من يصطاد بواسطة آلات أو مواد أو أجهزة أو أية وسيلة أخرى يحظر استخدامها بموجب هذا القانون (الفقرة الثانية من المادة 15).
مسؤولية تطبيق القانون، تقع، بحسب سري الدين، على وزارة البيئة، التي عليها أن تطلب من وزارة الداخلية التشدّد في مراقبة منع الصيد من خلال أجهزتها كافة، وخصوصاً قوى الأمن الداخلي والشرطة البلدية.
بين العُرف والقانون، نقاط تلاقٍ عديدة، فهل تحمي الأعراف الاجتماعية ما عجزت عن حمايته الأجهزة الأمنية بموجب القانون؟ أم ستُترك الطبيعة ضحية لجشع بعض المستهترين؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك