كتب ريمون مارون - مركز الشرق الأوسط للأبحاث والدراسات الإستراتجية MEIRSS
حزب الله، الذي قدّم نفسه طوال سنوات كحامل لواء المقاومة ضد إسرائيل، يجد نفسه اليوم في مواجهة مريرة مع حقيقة هزيمته، التي لا يرغب في الاعتراف بها، رغم أنها قد ظهرت في العديد من الأبعاد التي حاول أن يخفيها عن جمهوره ومؤيديه.
النصر والهزيمة لا يتحققان فقط من خلال خسائر أو انتصارات مادية، بل يتجسدان في قدرة الطرف على فرض إرادته وصياغة المستقبل كما يشاء. ولكن، في الحرب الأخيرة فشل في فرض إرادته،، وكان في موقف متراجع على مختلف الأصعدة. تتبدى هذه الهزيمة في القرى التي دُمّرت، وفي أبناء الجنوب والبقاع والضاحية الذين هُجّروا، وفي الشروط التي فرضتها إسرائيل والتي لا تلائم ادعاءاته السابقة عن انتصار المقاومة. ولكن حزب الله، الذي قدّم نفسه دائمًا كقوة ردع، لا يزال يصر على أنه حقق "الانتصار"، متجاهلاً واقع الهزيمة الذي يعيشه الشعب اللبناني في ظل الحرب والدمار المستمرين.
لطالما تباهى حزب الله بفكرة "المقاومة" التي يتباهى بها كقوة تحريرية تعمل من أجل الوطن والقدس. لكن اليوم، يتبين أن هذه الفكرة، التي تم تسويقها على أنها أداة لتحرير الأراضي وتحصين كرامة الأمة، قد تحولت إلى وهْم كبير. بل يبدو أن الحزب قد فقد القدرة على تحقيق أي تغيير حقيقي على الأرض. فمن "طريق القدس" الذي كان شعارًا ملهمًا، إلى التراجع عن تلك الوعود التي يواجهها الناس في حياتهم اليومية، يظهر أن التراجع على المستوى العسكري والأيديولوجي أصبح أكثر من واضح.
فقد تفجّرت أسطورة المقاومة حين أدرك الجميع أن حزب الله، الذي كان يفاخر بحمل لواء الكفاح ضد إسرائيل، يعجز اليوم عن حماية ما تبقى من مجتمعه من الهجوم والدمار. إذ أن الهزيمة لم تكن فقط في خسارة المعركة العسكرية، بل في انهيار الرواية التي بنيت حول المقاومة، والتي كانت تمثل إيديولوجية لا تقبل التشكيك. الحزب يتنصل من تبعات فشله، ويرفض الاعتراف بأن الهزيمة قد اقتربت منه، أو أنه بات في موقع المدافع عن مصالحه الخاصة بعيدًا عن مفهوم "التحرير" الذي كان يروّج له.
من المثير للسخرية أن حزب الله الذي يزعم أنه يمثل مقاومة الشعب اللبناني ضد الاحتلال الإسرائيلي، يترك أبناء الجنوب والبقاع يواجهون الدمار والتهجير، ويصم أذنه عن معاناتهم. في الخارج، وفي حين يدّعي الحزب أنه قوة إقليمية لا يمكن تجاهلها، تكشف الوقائع على الأرض عن عكس ذلك تمامًا. بات حزب الله مجرد أداة في اللعبة الإقليمية الكبرى، متورطًا في صراعات لا تعني الشعب اللبناني، ومهدرًا طاقاته في معارك لا تصب في مصلحته أو مصلحة اللبنانيين.
إن السؤال الحقيقي الذي يجب أن يُطرح اليوم ليس حول ما إذا كان حزب الله قد انتصر أم هزم، بل حول مشروعه نفسه. هل يمكن لحركة تحارب على جبهات متعددة أن تستمر في ظل فقدان حاضنتها الشعبية وتناقضات داخلية تعصف بها؟ كيف يمكن لحزب يدّعي أنه يقاوم الاحتلال أن يصبح جزءًا من منظومة تكرس الصراعات الداخلية وتنهي هوية الأمة؟
الواقع الذي يرفض حزب الله الاعتراف به هو أن الحل يبدأ من العودة إلى منطق الدولة، والاعتراف بأن الجيش اللبناني هو القوة الوطنية الوحيدة القادرة على الدفاع عن لبنان واستعادة سيادته. لا يمكن لأي حزب مهما كانت شعاراته أن يملأ فراغ الدولة أو يحل مكانها. الحل يكمن في إعلاء شأن الجيش اللبناني، الذي يجب أن يظل هو الحامي الأساسي للوطن وأمنه، بعيدًا عن التدخلات الإقليمية والهويات السياسية الممزقة.
في ظل هذه المتغيرات الصعبة، يصبح من الواضح أن الحل يكمن في عودة لبنان إلى مفهوم الدولة، حيث يقوم الجيش اللبناني بدوره الشرعي والعسكري. على حزب الله أن يعترف بهزيمته، وأن يوقف محاولاته المتكررة لتصدير فكرة المقاومة التي لم تعد أكثر من وهم يخدّر الواقع. العودة إلى الدولة هي السبيل الوحيد لإعادة الاستقرار إلى لبنان، ومن خلال توحيد القوى اللبنانية تحت راية جيش موحد، يمكن أن نحقق السلام والاستقرار بعيدًا عن الشعارات المتناقضة التي لا تنتهي.
إن ما نعيشه اليوم ليس إلا بداية لفصل جديد في تاريخ لبنان، حيث لا مكان للأوهام والأيديولوجيات التي تنهار، بل يتطلب الأمر الإرادة الصادقة لبناء دولة حقيقية، قادرة على حماية شعبها ومواردها.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك