في الانتخابات النيابية لعام 2009، لم تخزل جماهير انتفاضة 14 آذار، قادة ورؤساء وشخصيات 14 آذار ومرشحيهم، حيث اوصلت الى مجلس النواب اكثرية نيابية وازنة، كان يفترض وفق النظام البرلماني الديموقراطي المعمول به في لبنان، ان تشكل حكومات اكثرية طول مدة بقائها اكثرية، وان تنتخب رئيس مجلس النواب، ورئيس الجمهورية، وان تحكم وفق برنامج واضح، ما دام انها تتمتع بثقة الناس ومجلس النواب، وان يتحوّل نواب الاقلية الى معارضة تراقب عمل الحكومة وتكشف سقطاتها وتقصيرها امام الرأي العام اللبناني والخارجي، لكن الديموقراطية في لبنان، ليست سوى وجهة نظر، والكلمة الاولى فيه ليست لصناديق الاقتراع، ولا للدستور والقوانين، بل لقوة قاهرة، تفرض ديموقراطية خاصة تدعى الديموقراطية التوافقية، حيث تتعايش جميع الاحزاب والتيارات داخل الحكومة ومجلس النواب، وتؤخذ القرارات بالاجماع او بالتصويت المحسوب جيداً، طائفياً ومذهبياً، وتنعدم المعارضة، واذا وجدت، لا حول لها ولا قوة، ولا يمكنها تغيير حرف او فاصلة.
هذه الحالة الشاذة، حوّلت لبنان الى دولة مهترئة، فاسدة، مفلسة، متسوّلة، لا يعرف متى تتحوّل الى دولة فاشلة، وتوقيت فشلها لا يحتسب بالسنوات بل بالاشهر، وفق جميع خبراء المال والاقتصاد.
بانتظار تلك اللحظة، التي يتمنّى اللبنانيون ويصلّون ان لا تحصل، يدخل لبنان في حمّى معركة انتخابية، يعتقد البعض انها قد تكون فرصة للتغيير، وانتشال لبنان من مصير محتوم، فيما لو استمر في وضعه القائم، في حين ان معظم الشعب اللبناني لم يعد يحلم بالعجائب، بل دائماً ينتظر الاسوأ، قياساً على ما يحصل في هذه الايام البائسة.
الامور الانتخابية في هذه الايام، توصف بالغامضة، لأن قانون الانتخاب الجديد، عصيّ على الفهم عند فريق من اللبنانيين، ليس بالصغير، ولأن التحالفات الانتخابية، التي كانت تعرف قبل ستة اشهر على الاقل، لا تزال قيد البحث والتمحيص، بسبب الخلافات السياسية والمذهبية والطائفية، ولو انها ما تزال تحت غطاء رقيق من عدم الاعتراف بها، فتيار المستقبل مثلاً الذي كان منذ الاعلان عن تاريخ اجراء الانتخابات، يعرف مَن هم حلفاؤه، وهم بالطبع رفاق الدرب في قوى 14 اذار، ويعرف الشعارات التي سوف يخوض المعركة الانتخابية بموجبها، مثل، الدولة السيدة على كامل التراب اللبناني، ولا سلاح غير سلاح الشرعية، ولا قرار سوى قرار الدولة، الى آخر هذه الشعارات التي تعرف بها قوى 14 اذار، ولكن تيار المستقبل لن يكون قادراً على تبنّي هذه الشعارات، ورفعها، اذا تحالف التيار الوطني الحر، وحتى لو عاد الى التحالف مع القوات اللبنانية وقوى 14 اذار الاخرى، سيكون محرجاً في رفع هذه الشعارات، لأنها تطيح أسس التسوية مع التيار ومع قوى 8 اذار، والنائب السابق مصطفى علوش، وهو قيادي بارز في تيار المستقبل، اعلنها صراحة في مقابلة تلفزيونية ان تيار المستقبل سيخوض معركته الانتخابية بشعارات خدماتية، لا مكان فيها للسياسة او للشعارات المعهودة لقوى 14 اذار، وهذا الموقف يكشف الى حد بعيد، اسباب الحملة التي شنّت على حزب القوات اللبنانية، والاحزاب والشخصيات السيادية الاخرى، والمماطلة في المصالحة.
هناك حالة واحدة يعود فيها الاعتبار الى انتفاضة 14 اذار، وتجرى انتخابات سياسية سيادية، ان يعود تحالف العام 2009 الى ما كان عليه مع تيار المستقبل والحزب الاشتراكي، او ان تضع احزاب القوات والكتائب والوطنيين الاحرار خلافاتها جانباً، وتخوض المعركة الانتخابية بالشعارات السيادية مع الشخصيات الفاعلة على الارض، وفي مقدمها قوى في تيار المستقبل ما زالت تتمسك بهذه الشعارات.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك