على رغم كل التعقيدات التي تغلّف الحياة السياسية اللبنانية وتفعل فعلها في مجال تأخير تكوين سلطاتها واجراء استحقاقاتها الدستورية بفعل التنوع الطائفي وزحمة الانتماءات المذهبية والولاءات الحزبية والسياسية، وخير دليل اليها ما يجري راهنا على ضفة قانون الانتخاب، فإن مقاربة طريقة تأليف حكوماتها الجامعة والمراعية لكل المكونات تشكل نموذجاً يحتذى في اكثر من دولة، آخرها فرنسا التي ضمت تشكيلتها الجديدة برئاسة إدوار فيليب اليميني المعتدل والمؤلفة من 22 وزيرا وسكريتيراً، أسماء من كل الانتماءات والتوجهات السياسية، فتنوعت بين أحزاب "اليمين" و"اليسار" و"الوسط والمجتمع المدني"، مثالثةً، تماشياً مع التجديد السياسي الذي خاض الرئيس إيمانويل ماكرون حملته الانتخابية على أساسه، فباتت تنطبق عليها المقولة اللبنانية " حكومة كل الناس".
وكما في لبنان كذلك في فرنسا، اذ واجه ماكرون وضعا حساساً للغاية لدى سعيه لتشكيل حكومته الأولى اذ كان يترتب عليه التوفيق بين إبقاء حلفائه راضين، تسليم مناصب جديدة لحزب "الجمهوريون" اليميني، وغيره من الاحزاب وتكوين قوة وسطية جديدة على الساحة السياسية الفرنسية على حساب الحزبين التقليديين الكبيرين، ليواجه أول اختبار في الانتخابات التشريعية، حيث يحتاج تأمين غالبية في البرلمان من أجل تطبيق خططه الموعودة بجعل قوانين العمل أكثر ليبرالية وتشجيع مناخات الاعمال.
وطبقاً للطريقة اللبنانية، حرص الرئيس الفرنسي في مجال تشكيل الحكومة الجامعة على تمثيل اليمين والوسط واليساريين والمستقلين والخبراء وجعلها مناصفة بين الرجال والنساء وسلم حقائب المال والاقتصاد الى وزراء من حزب اليمين. واستقطب شخصيات يؤمن بقدرتها على مساعدته في الانتخابات المقبلة لايصال كتلة نيابية كبيرة يستند اليها في الحكم. فاستعان بنيكولا هيلو في وزارة البيئة، وهو الشخصية الثالثة في الحكومة اذ يمكنه تأمين 8% من الاصوات لصالح مرشحي ماكرون.
ولا تقتصر اوجه الشبه بين الحكومتين اللبنانية والفرنسية على طابعها الشمولي، بل تتخطاها الى المهمة الاساسية الموكلة اليها، الاشراف على الانتخابات. واذا كان عمر حكومة الرئيس سعد الحريري لن يتعدى الاشهر حتى موعد اجراء الاستحقاق النيابي اللبناني، فإن حكومة فيليب لن تزيد مدتها عن الشهر الواحد باعتبار ان الانتخابات النيابية ستجرى في 11 و 18 حزيران المقبل، لتفرز واقعا سياسيا جديدا في البلاد.
وتقول مصادر دبلوماسية لـ"المركزية" ان ماكرون في ما لو تمكن من حصد كتلة برلمانية وازنة من دون اكثرية مطلقة، فانه سيسعى حكماً لعقد تحالفات سياسية، فيتجه الى اليمين الذي يعاني مرارة الانقسامات والتشتت، حتى ان عددا من مرشحي اليمين اذا فازوا من دون ان يؤمن حزبهم الاكثرية المطلقة، قد ينضمون الى الوسطية الى جانب ماكرون ليؤمنوا له هذه الاكثرية ويتحالفوا معه في الحكم في اطار "مساكنة ناجحة". وتضيف الى سجل التشابه، ان القوى السياسية الاساسية في فرنسا اصيبت بالداء نفسه الذي اصاب قوى 14 و8 آذار في لبنان، بفعل انتخاب الرئيس ميشال عون الذي فرط عقد القوتين. فـ 14 اذار لم تعد موجودة كقوى بل كتيار سياسي اما 8 اذار فتفككت مكوناتها وضربتها الخلافات الرئاسية في الصميم، الا ان "المايسترو"، حزب الله ابقى التعاون قائما مع الرئيس نبيه بري في اطار "ثنائية شيعية".
واذ تشير المصادر الى ان اي وزير في حكومة فيليب يخسر في الانتخابات يفقد مقعده الوزاري، تكشف ان ما يقارب ثلث اعضاء الجمعية الوطنية لن يترشح للانتخابات المقبلة لأكثر من سبب، ما يجعل مؤكدا ان هذا الثلث سيؤول الى نواب جدد يساعدون ماكرون في تعزيز تيار الوسط، في ظل الانتكاسات التي اصابت الحزبين التقليديين.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك