لاحظت مصادر سياسية مواكبة للحراك الأحد عبر "الجمهورية" انّ نقاطاً اساسية رافقته، أبرزها:
اولاً، إلتقاء منظمات من المجتمع المدني وأحزاب وقوى سياسية متباعدة في السياسة على الدعوة الى التحرّك. وبذل المشاركون جهوداً صعبة جداً للاتفاق على الحد الأدنى من القواسم المشتركة من خلال لجنة تحضيرية اجتمعت مرّات عدة خلال اليومين الماضيين من دون ان تتمكن من الاتفاق على قراءة مشتركة للمطالب، فانتهى الامر باتفاق عمومي على رفض الضرائب واختلاف حول البدائل استدعى اتصالات مكثفة للخروج ببيان في ختام التحرك للاتفاق على أن يكون البديل وقف الهدر والفساد وضريبة على أرباح المصارف لا تطاوِل المودعين.
ثانياً، لوحظ انّ مجموعات ملثّمة دخلت على الخط في سيناريو مشابه لما شهده الحراك المدني ضد النفايات. وعلى رغم انّ المنظّمين عملوا منذ ما قبل بدء التحرك على محاولة تلافيه، إلّا انهم فشلوا في ذلك ما أدى الى استهداف القوى الامنية ببعض المفرقعات والعبوات البلاستيكية والعصي ومحاولة اجتياز الحواجز الحديدية.
ثالثاً، بروز عودة الحركات اليسارية الى الساحة اللبنانية في الوقت الذي انقرضَ اليسار في العالم، ما يُعدّ ظاهرة استثنائية في لبنان.
رابعاً، برزت في الحراك أمس جمعيات غير حكومية هي نفسها التي حاولت في الحراك السابق النزول الى الشارع يدعمها بعض السفارات.
خامساً، بروز عدد من المطالب، ففي حين طالب بعض المتظاهرين بالسلسلة في منأى عن موضوع الضرائب، طالب آخرون بعدم دفع الضرائب بغضّ النظر عن إقرار السلسلة، بينما طالب طرف ثالث بإقرار السلسلة بلا ضرائب، لكنّ اللافت انّ هناك قوى كانت تطالب بفرض ضرائب على الاغنياء وبعض القطاعات الاقتصادية واستثناء الطبقات المعوزة.
سادساً، حاول رئيس الحكومة تَلقّف كرة النار لعلّه يتمكن من استيعابها واحتوائها وفتح حوار مع المتظاهرين، لكنّ محاولته باءت بالفشل. فعوض ان يلتقط المتظاهرون هذه المناسبة الديموقراطية التي أبداها الحريري أطلقوا هتافات معادية ورشقوا موكبه بزجاجات المياه الفارغة والحجارة والعصي، ما يكشف وجود نيّات مبيّتة غير حوارية، بل تصعيدية لدى بعض أطراف الحراك.
سابعاً، إتصالات سياسية رافقت الحراك بين القوى السياسية والحزبية المشاركة في الحكومة في محاولة لصوغ خطة مشتركة لمواجهة خصومهم ومنعهم من الاستفادة من الحراك الشعبي لتعزيز مواقعهم الانتخابية في ظل الموجة الشعبية الرافضة للضرائب واتجاه بعض القوى والاحزاب الى الانقلاب على مواقفها السابقة بدعم الضرائب والموازنة التي اقرّتها الحكومة.
ثامناً، إلغاء رئيس مجلس النواب نبيه بري سفره الى المغرب وهو ما ربطه البعض بخريطة الطريق التي كان قد أعلنها، والتي تعتبر خطته لإعادة الامساك بزمام المبادرة في رسالة ضمنية الى الحكومة والعهد في اعتباره الضمان السياسي لهما.
تاسعاً، إتخاذ الدولة استعدادات أمنية كثيفة اكثر من المرات السابقة وكأنها كانت تتوقع حصول تفاعلات. لكنّ المميّز انّ القوى الامنية تعاطت مع المتظاهرين حضارياً ولم ترد على ايّ تطاول عليها، سواء بعد رشقها بالحجارة او بتوجيه مفرقعات نارية صوبها.
واذا كان هدف الحراك إعادة النظر في الضرائب والسلسلة، فالأمر سينتهي قريباً، فحسب معلومات "الجمهورية" أّن الدولة ستعيد النظر في نوعية الضرائب ومصادر الايرادات لتمويلها، علماً انّ هناك مَن بدأ يتحدث عن إمكان إرجاء إقرار السلسلة الى ما بعد الانتخابات النيابية في وقت لم يقرّ بعد قانون انتخابي جديد.
فإذا كان صحيحاً انّ هناك اتجاهاً لاعتماد هذا القرار، فالأمر خطير جداً كونه يربط السلسلة بموعد غير موجود، لأن لا أحد يعرف حتى الآن متى ستحصل الانتخابات النيابية، لذلك الدولة اليوم مدعوّة الى معالجة الموضوع بدقة، وإلّا فإنّ لعبة الشارع تتخطّى اللعبة السياسية، وهذا أمر ليس بالمحمود في بداية عهد وضع اللبنانيون فيه آمالاً كثيرة نظراً الى شخصية رئيس الجمهورية من جهة، وتأليف حكومة وحدة وطنية، وفي وقت استعاد المجلس النيابي نشاطه التشريعي.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك