لعلّ أكثر ما يُزعج الولايات المتحدة الأميركية أنّها لم تستطع، رغم كلّ محاولاتها للقضاء على «حزب الله» في لبنان أو التقليل من دوره السياسي والعسكري فيه إرضاء لإسرائيل، أنّه باقٍ وهو اليوم أقوى ممّا كان عليه في السابق، ما يجعله يُشكّل عنصر تهديد للجانب الإسرائيلي الذي يتحضّر لشنّ حرب جديدة على لبنان منذ خسارته في حرب تموز- آب 2006، ويُصبح بالتالي أحد العناصر الرئيسية التي ستوضع على طاولات المفاوضات لدى البحث عن التسوية لأزمات المنطقة.
وتؤكّد أوساط ديبلوماسية في هذا السياق، أنّه حتى لو لم تُدرك الولايات المتحدة اليوم أهمية المقاومة بالنسبة للبنان، أو أنّها تغضّ الطرف عمّا أنجزته أخيراً من تحرير لجرود عرسال من عناصر «جبهة النصرة» و«سرايا أهل الشام»، وإراحة بلدة عرسال والجوار من كلّ الإرهابيين الذين كانوا يعبثون بأمن واستقرار المنطقة البقاعية، واعتبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنّ لبنان يكافح التنظيمات الإرهابية بما فيها «حزب الله»، غير أنّ إسرائيل مدركة تماماً لدوره وقوّته ووجوده، وهي تراقب أدقّ التفاصيل التي يقوم بها في لبنان والمنطقة، ولهذا تحسب له ألف حساب.
وأهمّ ما يريده الحزب هو أن يستعيد لبنان أمنه وهدوءه وينتصر على الإرهاب ويدحر جميع التنظيمات التكفيرية عن أرضه وحدوده الى غير رجعة، ولهذا يتعاون مع الجيش اللبناني ويُنسّق معه إذا ما طلب منه ذلك. كما أنّه يبدو مستعدّاً لأي حرب من الممكن أن تشنّها عليه إسرائيل، حتى ولو بدا مشغولاً على جبهات أخرى. كما يودّ إعادة النازحين السوريين الى بلادهم عن طريق التنسيق مع الحكومة السورية كونها هي المسؤولة الأولى والأخيرة عنهم، وليس الولايات المتحدة الأميركية أو الأمم المتحدة.
أمّا الحكومة فهي اليوم منقسمة على نفسها، على ما أشارت الاوساط، غير أنّها لا تريد أن يطفو انقسامها على رأس السطح بل تسعى للحفاظ على ماء الوجه. ففريق فيها يؤيّد المقاومة وكلّ ما تقوم أو تُنادي به، وآخر يُعارضها رغم مشاركته إيّاها في الحكم. لكنّ الفريق الذي يُعارض أن يقوم الحزب بتحرير الجرود بدلاً من الجيش، على غرار ما جرى في جرود عرسال، ويرفض ما يُطالب به الحزب من ضرورة التحاور مع النظام السوري لإعادة النازحين الى بلادهم، من دون موافقة الأمم المتحدة، أو سعيها الذي قد يتطلّب سنوات لإعادتهم، وقد لا تعيدهم أبداً، فلا بدّ أن يُبدّل رأيه لما فيه مصلحة وخير لبنان واللبنانيين.
وأكّدت الاوساط أنّ لبنان لن يحمل لواء عودة النازحين السوريين الى بلادهم في المرحلة الراهنة، أي قبل التوصّل الى الحلّ الشامل للأزمة السورية، في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تُعقد في نيويورك في أيلول المقبل، على ما يأمل اللبنانيون، لأنّه يعلم الجواب سلفاً. فالأمم المتحدة ليست موافقة على عودة النازحين حالياً، بحجّة أن الظروف الملائمة لهم غير مؤمّنة، وقد لا تتأمّن الا بعد الحلّ الشامل للأزمة ومغادرة الرئيس بشّار الأسد للسلطة. ويُمثّل النازحون ورقة رابحة بالنسبة لها في إسقاط الرئيس الأسد، لهذا فهي لن تقوم بأي جهد لإعادتهم، لأنّها لو فعلت في هذه المرحلة فسيقتنع العالم بأنّ حكم الأسد يُمكن أن يستمرّ، على عكس إرادتها.
واشارت الاوساط الى ان كلمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمام الجمعية العامة لا بدّ وأن تتضمّن مدى معاناة لبنان وتحمّله الأعباء المرهقة جرّاء النزوح السوري، وستُطالب بعودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم، والنازحين السوريين الى بلادهم، كما ورد في خطاب القسم، لكنّ المجتمع الدولي لن يفهم من ذلك سوى إضافة المزيد من المساعدات المالية له لكي يُبقيهم على أراضيه أطول مدّة ممكنة الى حين إيجاد الحلّ السياسي للأزمة السورية.
في الوقت نفسه، توقّعت الاوساط أن يطرح المسؤولون اللبنانيون في نيويورك بعض بنود «خطة مواجهة أزمة النازحين السوريين في لبنان» التي عملت عليها اللجنة الوزارية في الحكومة، ويدعون الدول للمساعدة على إعادة النازحين لا سيما الى المناطق المستقرّة في بلادهم، والتي أصبحت مساحتها كبيرة جدّاً تفوق مساحة لبنان أضعاف الأضعاف. لكنّها لا تأمل أي استجابة سريعة وفورية من أي من دول العالم لطلب الحكومة سيما أنّ الأسرة الدولية تجد في النزوح والهجرة غير الشرعية، أزمة كبرى لا يُمكن حلّها بإعادة مليون أو مليوني نازح من لبنان الى سوريا فقط. فالمسألة من وجهة نظرها تتطلّب خطّة شاملة لعودة عدد كبير من اللاجئين والمهاجرين الى بلادهم، على أن تتضمّن أيضاً قبول طلبات لجوء بعضهم في الدول الموقّعة على اتفاقية اللجوء الدولية، وحصول بعضهم الآخر على جنسية البلد المضيف، وبقاء القسم الأخير حيث هو الى حين أن يُقرّر «العودة الطوعية» الى بلده.
وفي مطلق الأحوال، فإنّ ما يُناسب لبنان هو العمل على إعادة كلّ من يستطيع الى بلده حالياً، على غرار ما حصل حتى الآن في جرود عرسال، من مغادرة للإرهابيين وعائلاتهم، بعد الاستسلام في المعركة التي خاضها «حزب الله» ضدهم. علماً أنّ عدداً كبيراً من التكفيريين كان يختبىء داخل مخيمات النازحين، ويقوم بتجنيد النازحين السلميين في صفوفه. ولعلّ هذا ما يخشى لبنان من أن يكون سائداً في المخيمات السورية الأخرى القائمة في سائر المناطق اللبنانية. ولأنّه يصعب التفريق بين النازح المسالم والنازح الإرهابي فإنّ هذا الأمر يدفع لبنان للمطالبة بعودة النازحين سريعاً الى بلادهم.
أمّا «حزب الله» الذي وضع نفسه بتصرّف الجيش لمساعدته في معركته في جرود رأس بعلبك والقاع، إذا ما طلب منه، لا سيما وأنّه يملك ترسانة أسلحة متطوّرة أكثر من سواه، فلا يهدف من خلال انتصاراته الى الحلول مكان الحامي الوحيد للأمن اللبناني أي الجيش، على ما أوضحت الاوساط، بل الى جعل إسرائيل تتوقّف عن تهديداتها له وللبنان في كلّ فرصة ومناسبة. كما يسعى الى إعادة الأمن والاستقرار الدائمين للبنان لا سيما بعد استعادته لأراضيه المحتلة كافة من مزارع شبعا الى تلال كفرشوبا.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك