انطلاقا من المواقف السياسية التي أطلقها في الساعات الماضية كلّ من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري، يمكن القول، وفق قراءة أجرتها اوساط سياسية مراقبة لـ"المركزية"، إن التسوية المنتظرة التي ستبصر النور في قابل الايام، ليعود على اساسها زعيم التيار الازرق عن استقالته نهائيا، لا تختلف كثيرا عن التسوية الاولى التي أرست قواعدَ العهد الجديد وكان فحواها "وضع الملفات الخلافية كلّها جانبا، وعلى رأسها سلاح حزب الله، والتفرّغ لتسيير الشؤون اليومية والانمائية للمواطنين والبلاد". واذا كان التفاهم القديم لحظ ايضا اعتماد لبنان سياسة "النأي بالنفس"، لكن أي التزام جدّي بها لم يُسجّل، فإن التركيز منصبّ حاليا على هذه النقطة حيث يجري العمل على انتزاع مواقف من الاطراف السياسيين كلّهم، وأوّلهم "حزب الله"، تدلّ الى انهم سيحترمون فعليا هذه المرة، هذه السياسة الخارجية.
بمعنى آخر، تتابع المصادر، فإن الاتفاق الذي يتم نسج خيوطه منذ اعلان الحريري تريثه في تثبيت استقالته في 22 تشرين الثاني الماضي، يبدو لن يطال سلاح حزب الله ولن يتطرّق الى كيفية وضعه في تصرّف الدولة ولا الى الاستراتيجية الدفاعية العتيدة، بل سيقتصر على تقليص حضور "الحزب" في الميادين العربية وتحديدا في اليمن ومن بعدها سوريا والعراق، وعلى كف الحملات الاعلامية والسياسية الداخلية ضد السعودية والبلدان الخليجية، في خطوتين من شأنهما طمأنة الاخيرة الى ان لبنان لن يكون أبدا مصدرا لتعكير "أمنها القومي" على حد تعبيرها.
والواقع ان ما قاله العماد عون لصحيفة "لا ستامبا" عن "حزب الله" الذي "يشكل قوة مقاومة لبنانية نشأت في وجه الاعتداءات الاسرائيلية وهي قوة دفاع وليس حزبا ارهابيا"، وتأكيده ان "سياستنا تقوم على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى"، وما قاله الحريري أيضا لمجلّة "باري ماتش" عن أن "لـ"حزب الله" دور سياسي. ولديه أسلحة، لكنه لا يستخدمها على الأراضي اللبنانية ومصلحة لبنان هي بضمان عدم استخدام هذه الأسلحة في أماكن أخرى. وهذه هي المشكلة"، قبل ان يغرّد عبر تويتر "نحن الآن عندنا ربط نزاع مع حزب الله مثل ما هم عندهم ربط نزاع معنا"، يؤكّد ان التوجه الطاغي هو للفصل بين سلاح "الحزب" في الداخل والذي يبدو سيوضع على الرف مجددا، وبين أدائه في الخارج، في مقاربة من شأنها إعادة البلاد الى المعادلة التي كانت قائمة قبل 4 تشرين الثاني، تاريخ استقالة الحريري، لكن مع التشديد على توطيد دعائم "النأي بالنفس" أكثر.
وفي وقت تشير الى ان الاتصالات تتكثف حاليا، محليا واقليميا ودوليا، برعاية فرنسية - مصرية في شكل خاص، لدفع ايران وتاليا "حزب الله" الى تقديم براهين عمليّة وملموسة على انطلاق قطار عودته الى لبنان من الخارج، تقول المصادر ان الملف الشائك هذا سيكون مدار بحث بين الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل في باريس في الساعات المقبلة، حيث يتطلّع الرئيس "المتريّث" الى مواقف حاسمة من كل فريق 8 آذار بوقف كل الممارسات التي تخرق النأي، أكان عسكريا او دبلوماسيا أو سياسيا.
وهنا، تؤكد الأوساط ان المملكة ليست بعيدة أبدا من الحركة الدائرة على الساحة اللبنانية، ولا من تلك التي تشهدها وستشهدها باريس في ما خص الوضع اللبناني.. وبحسب الأوساط عينها، فإن عودة الحريري الى السراي مجددا، صعبة، اذا لم تسبقها "مباركةٌ" سعودية للتسوية في نسختها الثانية ورضى من المملكة عما تتضمّنه، الا اذا كان رئيس الحكومة قرر المباشرة بمسار سياسي جديد يقطع فيه علاقاته وارتباطاته السياسية بالرياض، وهذا خيار مستبعد، تختم الاوساط.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك