يقف لبنان الغارق في أزمة استقالة الرئيس سعد الحريري، أمام محطة مفصلية جديدة سيكون لها من دون شك، أثر بالغ ليس فقط على صعيد تحديد مسار الامور داخليا في المرحلة المقبلة، بل أيضا على خط مستقبل علاقات لبنان بأشقائه العرب، وفق ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ"المركزية".
الاستحقاق المنتظر يتمثل في اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب يعقد الاحد المقبل في مقر الجامعة العربية في القاهرة، دعت اليه المملكة العربية السعودية سيخصص للبحث في "ما تقوم به ايران من انتهاكات في المنطقة العربية والتي تقوّض الامن والسلم فيها وفي العالم بأسره"، وذلك غداة "اطلاق صاروخ بالستي ايراني الصنع من قبل الحوثيين على الرياض والعمل التخريبي الذي تعرضت له البحرين بعد تفجير أنابيب النفط الجمعة الماضي"، وفق ما جاء في نص الدعوة السعودية.
لبنان، بحسب المصادر، لم يحسم حتى الساعة، مستوى تمثيله في الاجتماع المرتقب، ولم يقرر بعد ما اذا كان وزير الخارجية جبران باسيل سيشارك فيه شخصيا ام لا، وهو لا يزال يعوّل على عودة الرئيس الحريري الى بيروت قبل الأحد، ليقرر معه- مهما كان قراره النهائي في شأن الاستقالة- الموقف الذي سيتم اتخاذه في مصر.
غير ان المصادر تلفت الى ان "العهد" يجب الا يبقى على تريّثه هذا. وسواء عاد الحريري الى بيروت قبل الاجتماع العتيد أم لم يعد، يُفترض ان يشارك لبنان فيه على أعلى مستوى ويلتقطه "فرصة ذهبية" لتأكيد تمسّكه بسياسة النأي بالنفس والحياد عن صراعات المنطقة كافة، فيكون بذلك، يرسل إشارات "حسن نية" الى محيطه العربي عموما والى السعودية خصوصا، التي تتهم "حزب الله" بالضلوع في النزاع اليمني وباطلاق "البالستي" على أراضيها في 4 تشرين الثاني الجاري، فيعلن بموقفه هذا، ان الدولة اللبنانية لا تغطي هذه التدخلات ولا توافق عليها. هذا الكلام "العقلاني" بحسب المصادر، من شأنه أيضا أن يساعد في معالجة معضلة استقالة الحريري.
فالاخير أشار صراحة خلال مقابلته التلفزيونية ليل الاحد، الى ان التزام الجميع بمبدأ النأي بالنفس وانسحاب "حزب الله" من ازمات المنطقة، وعلى رأسها اليمن، خطوتان يمكن البناء عليهما للعودة عن الاستقالة. وما على العهد تاليا، اذا كان فعلا حريصا على عودة الامور الى نصابها داخليا، الا المبادرة الى هذا الموقف. فإطلاق كلام كهذا، من على المنبر العربي، سيشكل "لبنة" أولى في هيكل "التسوية" السياسية الجديدة المرجوّة.
أما إحجام لبنان الرسمي عن إطلاق خطاب "يريح" جيرانه وإطلاقُه في "الجامعة العربية"، مواقف ضبابية "حمّالة أوجه" من مسألة النأي بالنفس ومن ممارسات بعض الفئات في الميادين العربية، فستكون له عواقب خطيرة على علاقة البلد الصغير بمحيطه. وهذا الواقع قد يتعقّد أكثر في حال قرر لبنان اغتنام فرصة الاجتماع العتيد لرفع الصوت مطالبا بفك "أسر" الحريري، متجاهلا مضمون استقالته والمطالب السعودية بكف يد "حزب الله" عن الرياض. وما يثير مخاوف المصادر من توجّه كهذا هو مواقف الوزير باسيل الذي أكد اليوم من بروكسل أن "جولته الاوروبية هي لحث المملكة على ان ما يحصل غير مقبول"، مبنها من ان "لبنان لا يزال يعالج المشكلة مع السعودية من ضمن العلاقات الثنائية الاخوية".
وفي وقت تحذّر من مغبة خطوة كهذه، تقول المصادر إن لبنان أمام امتحان مصيري الاحد المقبل، وعليه ان يحسن الاداء فيه حمايةً لمصلحتيه الداخلية والعربية في آن. أما اذا أخفق وذهب نحو خطوات غير مدروسة، فعليه توقّع مرحلة "صعبة" في قابل الايام.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك