صحا اللبنانيّون، في مثل هذا اليوم قبل أسبوع، على يومٍ خريفيٍّ مشمس. كانت الأخبار عاديّة تماماً. بعض الكلام عن الانتخابات النيابيّة، وبعض الكلام عن ملف النازحين. روتينٌ سياسيّ كانت تنتظر الحكومة عبره انقضاء السنة الأولى من عمرها، وبعض أعضائها يفتخرون بما أنجزوه، وبعضنا يقول "الكحل أحلى من العمى".
فجأة، وقعت المفاجأة. خبرٌ عاجل عن استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري من الرياض، ثمّ إطلالة متلفزة في بيان يشرح فيه المسبّبات والدوافع، ويختمه بإعلان الاستقالة. منذ ذلك الحين، دخل لبنان في مرحلة يسودها الغموض حول كلّ شيء: أسباب الاستقالة، ومكان تواجد الحريري، ومصير لبنان، واستمرار الحكومة... وهناك من سأل، وما يزال، من كتب بيان الاستقالة؟
يكتب، عادةً، اثنان البيانات التي يتلوها الحريري. الرجل الأول، في هذا المجال، الوزير السابق باسم السبع، المستشار البعيد عن الإعلام والضوء والصورة، مكتفياً بموقعٍ قريبٍ من أذن الحريري. الرجل الثاني هاني حمود، المستشار الإعلامي وأحد ظلال الحريري في تحرّكاته.
في يوم السبت الماضي، الذي سمّاه كثيرون "السبت الأسود"، لم يكن لا السبع ولا حمود برفقة الحريري الذي استدعي على عجل الى الرياض، مع مرافقَين لا غير. فمن كتب البيان إذاً؟
وُجّهت الشكوك، بدايةً، نحو إحدى الشخصيّات السعوديّة. كُتب البيان للحريري وتولَّى قراءته، هكذا ظنّ حزب الله الذي كان من بين المدقّقين في هويّة الكاتب. إلا أنّ قراءة تحليليّة للنص تثبت أنّ كاتبه لبناني. بعد التحقيق والتدقيق، وصل حزب الله الى معلومة مهمّة: كاتب البيان هو المفكر والكاتب رضوان السيد. هذه لغته وأسلوبه. وأكثر، هذا مبتغاه، أن يستقيل الحريري ويواجه حزب الله ويقلب الطاولة على العهد. اتصل نادر الحريري بالسيّد، فنفى علاقته بالبيان.
بدورنا، اتصلنا بالسيّد، وهو أيضاً كاتب أسبوعي في صحيفة "الشرق الأوسط"، وسألناه بصراحة: هل كتبت بيان استقالة رئيس الحكومة؟
قال رضوان السيّد لموقع mtv: أعترف بأنّ الأسلوب اللغوي المستخدم في البيان يشبه أسلوبي، وهو يعتمد اللغة الكلاسيكيّة، ولكن لستُ أنا من كتبه.
وأضاف السيّد: فوجئت باستقالة الحريري ولم أكن على علمٍ مسبقٍ بها، علماً أنّ علاقتي به مقطوعة منذ ثمانية أشهر تقريباً.
وتابع: لم أكتب يوماً لسعد الحريري بل كنت أكتب لوالده، وأكتفي بتقديم المشورة لهاني حمود حين يستشيرني ببعض العبارات والآيات.
إشارة الى أنّ السيّد تلقّى، مع النائب السابق فارس سعيد، دعوة لمرافقة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الى السعودية، إلا أنّ ارتباطه بمؤتمر في أبو ظبي سيحول دون تلبيته الدعوة.
وإذا كانت الضبابيّة تلفّ قضيّة استقالة سعد الحريري، فإنّها ستبقى، حتى إشعارٍ أخرى، تلفّ أيضاً هويّة من كتب له بيان الاستقالة. لعلّه، في وقعه وأهميّته، من أهمّ البيانات في تاريخ لبنان الحديث.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك