من بين الحقائب الوزاريّة في لبنان ما اصطلح على تسميتها بـ "الوزارات الخدماتيّة". إلا أنّ الوزراء، مهما كانت الحقائب التي يتولّونها، يتلقّون من المواطنين ومن زملائهم السياسيّين طلبات لخدمات تحتاج تلبيتها الى القفز من فوق القانون أو اعتباره وكأنّه لم يكن. ولعلّه لا ضير في ذلك، ما دامت المحاسبة، من الأجهزة الرسميّة كما من الناس، معدومة، والفاسدون يمارسون فسادهم على عينك يا دولة.
يروي نائبٌ أنّ طبيباً تعرّف إليه في ندوة أصرّ على دعوته الى الغداء. بعد الخبز والملح والشرح المستفيض من الطبيب عن مهنته، صُدم النائب حين اكتشف سبب الدعوة. كان الطبيب يريد من النائب أن يستخدم علاقته بمدير عام الأمن العام للسماح بإعادة فتح "كباريه" تمّ إقفاله، واعداً إيّاه بتأمين مبلغ مالي "محترم" من صاحب الـ "كباريه". اعتذر النائب بلباقة، فردّ الطبيب بأنّ سياسيّين كثيرين يتمنّون فعل ذلك. لعلّ أحدهم فعلها هذه المرّة أيضاً.
لم يتصل النائب بمدير عام الأمن العام، إلا أنّ نائباً آخر اتصل، لسببٍ آخر، بأحد القضاة. يتحدّث النائب ضاحكاً عن حادثة تعرّض لها قبل 19 عاماً. يقول: "كانت مرّت سنة واحدة على دخولي البرلمان، وكنت حديث العهد في السياسة حين راجعني أحد الناخبين بقضيّة قضائيّة سيصدر حكمٌ ضدّه فيها، وطلب منّي الاتصال بالقاضي لتغيير حكمه. استغربت الطلب كثيراً، ولكن، بعد إصراره، اتصلت بالقاضي الذي لم أكن أعرفه ولا سمعت باسمه حتى، وطلبت منه تغيير الحكم وكان لي ما أردت". يضيف النائب: "حينها أدركت فعلاً بأنّني نائب في جمهوريّة موز"!
يملك الوزراء في لبنان قصصاً كثيرة عن الخدمات التي تُطلب منهم، وهي بغالبيّتها الساحقة مخالفة للقانون. يروي وزير أنّه حين يبصر رقم بعض النوّاب الحاليّين أو السابقين على هاتفه يدرك فوراً بأنّ وراء الاتصال طلب غريب. ومن الطلبات الغريبة التي يتلقّاها تسويق موسوعة تاريخيّة كتبها ابن منطقته بين الوزراء، وشراء لوحات يملكها صديق طفولة لأنّ الأخير بحاجة الى مبلغٍ من المال، وتوظيف شابّة درست التغذية في وزارة أمنيّة... كما أنّ الطلبات تتبدّل وفقاً لاختصاص الوزير: طلبات رخص الأسلحة لوزير الدفاع، طلبات ارقام لوحات السيّارات المميّزة والزجاج الداكن لوزير الداخليّة، طلبات مخالفات المطاعم لوزير السياحة، طلبات التهرّب من الرسوم والضرائب لوزير المال، طلبات نقل المعلّمين والتعاقد معهم لوزير التربية...
إنّها جمهوريّة غاطسة في الفساد من رأسها حتى أخمص قدميها.
وفي مقابل الطلبات التي تستوجب تجاوزاً للقانون، ثمّة مراجعات غريبة يسمعها بعض السياسيّين، من بينهم نائب استفاق مرّة من النوم في الواحدة من بعد منتصف الليل على صوتٍ يبلغه عبر الهاتف عن وجود زحمة سير خانقة على الأوتوستراد، قبل أن يضيف المتصل: "ما قلت يا إستاذ من مبارح إنو الأشغال رح تخلص. هيدي صارت الساعة واحدة ونحنا علقانين بالعجقة". يقول النائب إنّه، بعد أن أقفل الخط، لعن الساعة التي ترشّح وانتُخب فيها وظهر على الشاشة ليطمئن الناس بأنّه تلقّى وعداً بأنّ الأشغال على الأوتوستراد في المنطقة التي يمثّلها على وشك الانتهاء...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك