يشعر اللبناني الذي يزور المملكة العربيّة السعوديّة بأنّه يلتقي لبناناً آخر هناك، لا يقتصر فقط على أكبر جالية لبنانيّة في الخليج، وفيها رجال أعمال تضمّ شركات بعضهم أكثر من عشرة آلاف موظف وتعمل في مجالاتٍ مختلفة، من المقاولات والهندسة المعماريّة والالكترونيّة والصناعة وأعمال الديكور والبيوت الجاهزة والتكييف والتكنولوجيا والسياحة والتجارة. فإلى جانب هؤلاء، لا تلتقي سعوديّاً إلا ويسألك عن لبنان ويخبرك عن ذكرياته فيه، ثمّ يروي لك تفاصيل عن الحياة السياسيّة اللبنانيّة ربما تكون غفلت عنك، ويعطي رأيه، حتى، في أزمة النفايات وأسباب التأخير في إيجاد حلٍّ لها، ويلمّح الى فسادٍ كبير في هذا الملف!
يصعب أن تعثر على سعوديٍّ لا يحبّ لبنان أو لم يزره يوماً. لا بل أنّ بعضهم زار مناطق في بلادنا ربما لم يزرها بعضنا. وهو أمرٌ، إن شئنا الدقّة، لا نجد مثيلاً له لدى أيّ شعبٍ عربيّ آخر. ولا يقتصر الأمر على العامّة، بل يشمل أيضاً الكثير من المسؤولين.
يملك الأمير سلطان، وهو نجل الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، الذي يترأس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في المملكة ولديه سيرة عسكريّة طويلة، وكان أول رائد فضاء عربي ومسلم، ذكريات كثيرة في لبنان.
يتحدّث، بابتسامة عريضة، عن زياراته الى مدينة جبيل، وعن تجوّله قبل ظهر أحد أيّام الصيف في السوق العتيق في زوق مكايل، مع أصدقاء له. يقول: دخلنا الى مطعمٍ صغير فيه سيّدة مسنّة، وطلبنا فطوراً وكان الوقت متأخراً، وقد انتهت السيّدة من تقديم الطعام، ومع ذلك أصرّت علينا أن نجلس. وما هي إلا دقائق قليلة حتى كانت أعدّت، لوحدها، أشهى فطور لبناني. ويضيف: هذه هي الروح اللبنانيّة التي تميّز اللبنانيّين عن سائر العرب، فالمواهب اللبنانيّة لا مثيل لها، بالإضافة الى الروح الإيجابيّة والانفتاح التي تلاحظه بوضوح عند اللبنانيّين.
وأشار الأمير الى أنّه متشوّق لزيارة لبنان من جديد، ويهمّه أن تستفيد الهيئة التي يترأسها من تجربة لبنان الرائد في مجال السياحة والخدمات. وتابع: السعودي يحبّ اللبناني ويفهم لغته ومتأثّر بتجربته، فهو مبدعٌ ثقافيّاً وفنيّاً، ونحن على استعداد للوقوف دوماً الى جانب لبنان، بل نحن نحتاج أيضاً الى التعلّم من التجربة اللبنانيّة، علماً أنّ اللبناني في السعوديّة ليس ضيفاً بل ننظر إليه وكأنّه ابن البلد.
تخرج من ديوان الأمير سلطان بن سلمان، الحريص على مرافقة ضيوفه حتى سيّاراتهم، وأنت تستعيد هذا الشعور الذي ينتابك حين تزور بعض الدول، وهو أنّ بعض "الغرباء" يحبّون بلدنا أكثر من بعض أبنائه، وتحديداً أكثر من بعض سياسيّيه...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك