يحدث، أحياناً، في سياق ممارسة حرية الرأي والتعبير الديمقراطية أن يتلقى فرد، أو مجموعة معينة من الأفراد نقداً تهكمياً من شخص أو من مجموعة أشخاص آخرين مختلفين عنهم، لكن المشكلة تكمن في كون ذلك النقد "الديمقراطي" تهكمياً ومشخصناً ويسببه على ما يبدو عدم اعتراف فرد أو مجموعة من الافراد المنغلقين فكرياً بحق آخرين مختلفين عنهم في الإعلان عن آرائهم السلمية وذلك بسبب رفض البعض لفكرة أن أحد المختلفين عنهم ربما يملك رأياً مستنيراً سيساهم في تطوير البيئة المحلية أو سيثري الحوار الديمقراطي البناء في المجتمع. تتمثل المعضلة الحقيقية حول رفض الاختلاف وعدم تقبل التعددية الفكرية والإنسانية والثقافية في المجتمع في عدم تقبل فرد أو مجموعة أفراد لكل ما يمثل ما هو مختلف عن الأغلبية أو عن الأقلية في المجتمع.
لا يحق لأحد الأفراد العاديين احتكار توزيع صكوك الديمقراطية والتمدن والوطنية على الآخرين، ولا يحق له الاستهانة بقيمتهم الإنسانية أو التقليل من قيمة مساهمتهم في تحقيق المواطنة الحقة في المجتمع، ولا يحق لأحد الأفراد العاديين إظهار عدم اكتراثه باستقلالية الفرد الآخر أو رفضه لحقه في التمتع بخصوصية ثقافية تنبع من الثقافة المحلية، فعالم اليوم يتبنى بشكل صريح قبول التعددية وثقافة الاختلاف وحتمية حدوث تطورات اجتماعية ستثري بشكل أو بآخر التراث الوطني وتطرح فرصاً جديدة للتواصل الإنساني-الإنساني البناء.
لا يملك فرد عادي أي حق في احتكار التفكير الديمقراطي أو المدني لنفسه دون الآخرين، ولا يملك أحدهم الحق في توزيع صكوك الديمقراطية على الآخرين، فما دام يتنافس أغلبية أعضاء المجتمع بشكل إيجابي وبناء لتحقيق المواطنة الصالحة في مجتمعهم، ويتنافسون بشكل سلمي لتفعيل وترسيخ الممارسة الديمقراطية البناءة في حياتهم اليومية، فلن يملك أحد الأفراد العاديين الحق في توزيع صكوك الديمقراطية عليهم، لأنهم يتساوون معه في الحقوق والواجبات والمسؤوليات الوطنية نفسها.
لا يمكن، وفق المنطق الديمقراطي السليم، أن يستأثر شخص أو مجموعة أشخاص عاديين بصواب الرأي، ولا يحق لهم كذلك بسط سيطرتهم الفكرية على آراء وحريات شركائهم الآخرين في الحوار الديمقراطي البناء،ولا يمكن، وفق المنطق الديمقراطي الرائج في عالم اليوم أن يستأثر أحدهم بالحقيقة، وينكر على الآخرين الحق في عرض وجهات نظرهم السلمية التي تخالف رأيه، تشير النخبوية إلى كل تفكير إقصائي أو استعلائي يتناقض مع أبسط مبادئ التفكير الديمقراطي المتعارف عليها في عالم اليوم.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك