كشفت مواجهات القلمون الأخيرة عن تزايد قوة "داعش" في المنطقة، وقدرته على الهيمنة على الكثير من الفصائل، خصوصاً تلك التي تنتمي إلى "الجيش الحر".
ويعزو مصدر متابع لـ "السفير"، سبب ذلك إلى أمرين، الأول، نجاح "داعش" في استقطاب بعض فصائل "الجيش الحر" التي أعلنت مبايعتها في تشرين الثاني الماضي، وأبرزها "كتائب الفاروق المستقلة" و"لواء القصير"، الأمر الذي زاد من عديد مقاتلي "الدولة". والثاني، وصول كوادر جديدة لقيادة "الدولة الإسلامية في القلمون"، وعلى رأس مهام هذه الكوادر إعادة هيكلة بنية التنظيم ورسم علاقاته مع الأطراف الأخرى وفق أسس جديدة.
وتثير التغييرات الجديدة في المناصب القيادية لـ"الدولة الإسلامية في القلمون"، واستلامها من قبل أشخاص مغالين في التطرف، مخاوف قادة الفصائل في المنطقة، بمن فيهم أولئك المعروفون بقربهم من التنظيم التكفيري، حيث طالب الناشط ثائر القلموني قيادة "داعش" بسحب "الشرعي" أبو الوليد المقدسي من القلمون قبل أن تندلع الفتنة.
وبرغم أن "جبهة النصرة في القلمون" بقيادة أبو مالك التلّي نأت بنفسها عن الأحداث الأخيرة، إلا أن المعطيات المتوافرة تشير إلى أن أبا مالك أصبح يشعر بتزايد الضغوط عليه، سواء من قبل "داعش"، وإن بشكل غير مباشر، أو من قبل قيادة "النصرة" التي عبرت من خلال بعض قادتها عن ثقتها بشخص أبي مالك وبطريقة معالجته للمستجدات في القلمون، وهو ما رأى فيه بعض المراقبين أنه ضغط على التلي لعدم الاستمرار في صمته المريب، لا سيما في ظل تحريض أطراف عدة عليه، وأبرزها "جيش الإسلام" وبعض قادة "النصرة"، ممن يثيرون مخاوف من إمكان إقدامه على مبايعة "داعش"، نظراً لعدم رضاهم عن موقفه القديم الرافض لقتال "إخوانه" في "داعش".
وفيما يترقب "قادة الفصائل" تطورات الأوضاع في ظل الأحداث الأخيرة، متوقعين أن يكون مصيرهم إما الاضطرار إلى مبايعة "داعش" أو الدخول في حرب معه، لا أحد يعرف نتيجتها، فإن الأوساط اللبنانية المتابعة لمشهد القلمون، تتوقع أن يمسك تنظيم "داعش" بكل هذه المنطقة، في ضوء انقلاب مفاجئ في موازين القوى، بحيث تحولت "النصرة" و"الجيش الحر" وفصائل أخرى من أكثرية ممسكة بالأرض إلى أقلية.
هذا الانقلاب جاء بعد تلقي مجموعات "داعش" في القلمون دعماً بشرياً من منطقة الرقة (عبر مسالك تهريب متعددة بعضها يسيطر عليه النظام!)، فضلاً عن تلقي قادة "داعش" دعماً مالياً كبيراً يهدف إلى شراء أكبر عدد ممكن من قادة المجموعات الأخرى.
وبحسب الأوساط اللبنانية، فإن اعتقال الجيش اللبناني لعدد من قادة "الجيش الحر" و"النصرة" في منطقة القلمون، أدى إلى إضعاف هذين التنظيمين، فاضطرت مجموعات كثيرة إلى مبايعة "داعش" الذي قرر إشهار الحرب على من يرفضون الانضواء تحت رايته في هذه المنطقة.
وتعتقد الأوساط اللبنانية أن أمير "النصرة" أبو مالك التلي سيكون مضطرا إلى سلوك درب من اثنين: إما مواجهة خاسرة أو المبايعة في المرحلة المقبلة.
وتشير الأوساط الى أن إمساك "داعش" سيؤدي إلى جعل المواجهة أكثر وضوحا بين الجيش اللبناني و"حزب الله" من جهة، وتنظيم "الدولة الإسلامية" من جهة ثانية، لكن من غير المستبعد أن يدخل التحالف الدولي على خط هذه المواجهة الحدودية ضد "داعش" إذا تفاقمت الأمور، خصوصا في ظل تقديرات أمنية لبنانية بمضاعفة التحديات في الداخل (تجدد المخاوف من التفجيرات والانتحاريين).
ووفق الأوساط اللبنانية، فإن ملف العسكريين سيتأثر بالمعطيات الجديدة، فإذا تمكن تنظيم "داعش" من الإمساك بالملف، فإن التفاوض سيكون عندئذ محصوراً مع جهة واحدة، وعندها "سيتراجع عنصر المزايدة الذي حكم الملف منذ خمسة أشهر حتى الآن".
وتتوقف الأوساط عند رسائل التهديد التي بعث بها "داعش"، أمس الأول، عبر مقطع الفيديو الذي حمله الشيخ المصري، الى كل من الرئيس سعد الحريري، النائب وليد جنيلاط ورئيس حزب "القوات" سمير جعجع، وتشير الى أن هذه الرسائل تحمل في طياتها أوضح إشارة الى أن أسلوب التعامل مع هذا التنظيم سيختلف كليا، خصوصا أن بعض البيئات اللبنانية كانت تراهن على "اعتدال" تنظيم "جبهة النصرة" ووجود مرجعية إقليمية له، بينما ستختلف المقاربة مع "داعش" وسيكون التواصل مع الجهات الخارجية غير علني، بسبب تنصل كل الأطراف الاقليمية من "الدولة الاسلامية"!
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك