عندما افاقت المؤسسة العسكرية على صدمة تداعيات حرب 2 آب بينها وتنظيم داعش وجبهة النصرة في عرسال، وكشف أسر اكثر من 35 عسكريا ورجل امن وراء الجرود، لم يسعها الا اتخاذ خيارات محددة:
اولها، انها ليست معنية بالتفاوض مع خاطفي العسكريين، وان كانت الطرف الرئيس في المواجهة وتتحمل، وان ضمنا في قرارة نفسها وقيادتها، قسطا ليس قليلا من الاسباب التي افضت الى خطف العسكريين.
ثانيها، ليست معنيّة بالمقايضة، وقد رفضتها منذ اليوم الاول. تفادت الانخراط في الجدل الدائر حول مقايضة طلبها التنظيمان المتطرفان بين العسكريين وموقوفين متطرفين في سجن رومية. قال الجيش انه ليس الجهة المعنية بموقف من مقايضة تعود الى القضاء مرجعية بتها. تتوسل آلية المقايضة احدى وسيلتين: اخلاء القضاء سبيل الموقوفين بلا محاكمتهم، او اقرار مجلس النواب عفوا عاما عنهم ما دام من المتعذر توقع عفو خاص في غياب رئيس الجمهورية وعدم صدور احكام قضائية في حق اولئك.
في ظل حكومة متنافرة حيال طريقة تعاطيها مع الخاطفين وشروطهم، سيكون من المستحيل تفاهمها على استخدام صلاحية رئيس الجمهورية في اصدارمرسوم عفو خاص. في اي من وسيلتي المعالجة القضائية او السياسية قال الجيش انه غير معني بها على السواء.
ثالثها، غداة اقتياد العسكريين الى الجرود، ابلغ الجيش الى المسؤولين الحكوميين انه لا يطلب الا استعادتهم سالمين، وابدى استعداده تنفيذ عمل عسكري. في مرحلة اولى اظهر جهوزا لتنفيذ العمل العسكري في الساعات الـ48 التي تلت خطف العسكريين، قبل ان يباشر اهاليهم تحركهم وتحولهم، من ثم، اداة ضغط على المؤسسة العسكرية والحكومة اللبنانية لحملهما بالقوة على الرضوخ لشروط الخاطفين.
رابعها، ان قائد الجيش العماد جان قهوجي، وهو يُحمّل بدوره قسطاً من مسؤولية ما حدث، ابلغ الى اكثر من مسؤول كبير اصراره على استرداد العسكريين، وقدم خيارين: احدهما عمل عسكري غير محمود النتائج ومن غير المؤكد نجاحه وربما كان مكلفا بتداعياته في حال اخفق هدفه، والآخر نفاد صبره من ترك خطف العسكريين في مهب الخلافات السياسية بين مؤيد للتفاوض ومعارض له، ومؤيد للمقايضة ومعارض لها. وما دام لا يسع الجيش التحرك من تلقائه، طلب قهوجي غطاء حكوميا وسياسيا لتنفيذ العمل العسكري لتحرير العسكريين لم يُعطَ اياه في اي وقت. ربما بحجة منطقية او واهية ان نتائجه غير مضمونة.
خامسها، ادراك الجيش ان السلطة السياسية لن تمنحه غطاء كاملا لتنفيذ هجوم عسكري، أمني على مناطق احتجاز العسكريين. الا انه تحفظ عن اقتراحات سيقت اليه توخت تجزئة العمل العسكري بحيث يؤذن له بتنفيذه في اماكن ويمنع عنه في اماكن اخرى. الامر الذي رفضته المؤسسة العسكرية اذ اعتبرت الهجوم العسكري ـ الامني خطة متكاملة لا تصح تجزئتها ولا اقفال مناطق في وجه الجيش اذ يجد من الضرورة دخولها، ما يشير الى ان الجرود وعرسال في آن في صلب خطته.
وسواء كانت المؤسسة العسكرية جاهزة لتنفيذ المهمة تلك ام لا، الا ان ابداء استعدادها لها كفل رفع مقدار من الحرج عنها في ملف هي اكثر المعنيين به.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك