ليس خافياً أن ما تقوم به «الممانعة»، في لبنان وسوريا وإيران كما في غيرها إن وجدت، هو رفع لافتة «لا» كلما وجدت الأطراف المنضوية تحت محورها ذلك ملائماً لها. أليس هذا هو اسمها في نهاية المطاف؟.
في لبنان، على سبيل المثال لا الحصر، «لا» لانتخاب رئيس للجمهورية بالرغم من مرور أكثر من ثلاثة أشهر على شغور الموقع، إلا إذا كان المرشح للمنصب ممانعاً أو حتى شبه ممانع من ناحية، وكانت الأطراف التي ترفع هذه اللافتة على ثقة بأنها قادرة على ايصاله الى حيث تريد من ناحية ثانية. كذلك «لا» لإجراء الانتخابات النيابية على أساس القانون الساري المفعول للآن، و»لا» للتمديد لمجلس النواب الحالي لأنه، من وجهة نظرها، مطعون بشرعيته أصلاً… ولأنه، بالرغم من ذلك، لم يتمكن من إنجاز مهمة انتخاب الرئيس بما يتوافق مع أجندة قوى «الممانعة«.
واللعبة هنا باتت مكشوفة من كثرة التكرار: يقرر البعض شيئاً، ويصمت البعض الآخر على هذا القرار، فيبدو الموقف مجزأ في الظاهر مع أنه في المضمون واحد موحد ويصب في خانة واحدة. لا فرق في ذلك بين قانون الانتخابات المسى بـ«القانون الأرثوذكسي» والاقتراح الخاص بانتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، ولا بين إجراء الانتخابات النيابية أولاً أو انتخاب الرئيس قبل ذلك، ولا بين رفض التمديد للمجلس والإصرار الكلامي على الحاجة الى إجراء الانتخابات.
آخر تجليات هذه الحال (تحت اللافتة اياها، وليس بالضرورة تعبيراً عن موقف نهائي)، ما طلع به أحد قادة «الممانعة»، رئيس حركة «أمل» رئيس مجلس النواب نبيه بري، من أنه يوافق على التمديد للمجلس النيابي لكن بشرط الاتفاق مسبقاً على أن يبادر المجلس مباشرة بعد التمديد له الى انتخاب الرئيس. لكن أي رئيس؟. لا شيء يفيد بأن الكرة لن تعود عندها مرة أخرى الى نقطة البداية.
وفي لبنان أيضاً، «لا» للتفاوض مع تنظيم «داعش» و»جبهة النصرة» الإرهابيين بامتياز للاإراج عن الجنود اللبنانيين المختطفين لديهما، بعد أن أعدما بدم بارد ثلاثة منهم ويهددان بإعدام الآخرين بين لحظة وأخرى، و»لا» كذلك للبحث في مبادلة الجنود بمن يمكن أن يكون لدى الجيش اللبناني وقوى الأمن من أفراد التنظيمين، أو حتى بينهم وبين من قيل إن التنظيمين يطلبان إطلاقهم من «المعتقلين الإسلاميين» الذين يقبعون في السجون اللبنانية من دون محاكمتهم أو البت بمصيرهم منذ سنوات.
قبل هذه المرحلة، رفعت الأطراف اياها بطاقة «لا» كذلك ضد «هيئة العلماء المسلمين» التي بادرت الى التوسط للاتفاق على وقف إطلاق النار وسحب المسلحين الغرباء من عرسال في الوقت الذي كانت تطلق فيه رصاصات مجهولة على وفد الهيئة وتجرح واحداً من أعضائه، و"لا" أخرى ضد قادة وضباط أركان الجيش لقبولهم بمبدأ الوساطة ووقف النار، وصولاً الى تنظيم حملة عليهم بعد ذلك بدعوى عدم إكمال مهمة «اقتحام عرسال» أولاً، ثم بتهمة التقصير في مواجهة التكفيريين ثانياً، ثم أخيراً بالتلويح بطلب إحالتهم على المحاكمة ومقاضاتهم بتلك التهمة.
وكيف يمكن انقاذ حياة الجنود المختطفين؟. فقط بالتنسيق مع النظام السوري، وتحديداً بين القوات المسلحة في البلدين، تقول أطراف "الممانعة" بكل صراحة، وإلا فسيبقى كل شيء على حاله!!.
وفي كل حال، "لا" لتسليح الجيش ومده بما يحتاجه من أعتدة إلا إذا كان هذا السلاح إيرانياً… و"لا" للخبرة الأميركية والفرنسية تقدم لقوى الأمن، لأنها ستكون موجهة من دون شك ضد «المقاومة»… و»لا» للهبة السعودية (أربعة مليارات دولار أميركي) لأنها سياسية، ولأنه لا حاجة للجيش الى مثل هذه الهبة.
في مسألة التحالف العربي - الدولي للحرب على «داعش»، لم تجد «الممانعة» مجدداً سوى الشعار اياه تطلقه ضد احتمال انضمام لبنان الى هذا التحالف، وإن بلغة غير مألوفة هذه المرة. «لا» للمشاركة في التحالف الذي هو «حرب صليبية جديدة» (هكذا بالحرف) يشنها الغرب على المنطقة. و"لا" لهذا التحالف الذي يدشن «عودة الاستعمار» الى بعض دول المنطقة بالتعاون مع بعض دولها الأخرى. و"لا" للانضمام اليه إلا اذا كان ذلك بالتفاهم مع النظام السوري (هكذا بالحرف أيضاً)، فينضمان اذاً معاً وجنباً الى جنب، وتكون مشاركتهما عندها موجهة ضد «الحرب الصليبية الجديدة» وضد «عودة الاستعمار» الى دول المنطقة.
ولا يختلف الموقفان الإيراني والسوري في شيء عن ذلك، لا في ما يتعلق بلبنان ولا في ما يتعلق بما يسميانه «الحرب الكونية» على سوريا والمنطقة. فموقف «الممانعة» واحد، وليس متوقعاً أقله في المرحلة الراهنة أن يتغير.
"لاءات" ما يسمى «محور الممانعة» لم تستثنِ شيئاً في السابق، وهي لا تستثني شيئاً الآن، ولن تفعل كما يبدو في المستقبل القريب أيضاً.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك