من انعكاسات الأزمة السوريّة على لبنان، العودة الى الأمن الذاتي، ما يعيد الى الأذهان صوراً من الحرب اللبنانيّة وما يزيد من خطورة الوضع الأمني، خصوصاً أنّ مثل هذا الأمن يبقى سيفاً بحدّين.
حدود القرى الدرزية في راشيا الوادي مفتوحة، نتيجة تداخُل الاراضي اللبنانية والسورية في مسارب جبل الشيخ، وهو ما جعل شريطها الحدودي أشبه بالشريط الوهمي. وسابقاً كانت هذه المسارب ممراً لعمليات التهريب من الطرفين.
عند التلال المطلّة على مسارب جبل الشيخ، ينتشر عدد من الشباب يحملون السلاح ويجوبون التلال المطلة على منافذ سلسلة جبال "حرمون"، بغية حراستها من تسلل مسلحي المعارضة السورية والمنشقّين عن الجيش السوري المرابض في الجهة الاخرى، ومنعاً لتهريب السلاح الى "المسلحين"، على حد تعبير "وسيم" الشاب الذي يقف بلباسه المدني ويحمل على كتفه "رشاشاً" حربياً نوع "كلاشنيكوف" ويرتدي جعبة عسكرية تتوزع على أطرافها ذخائر وقنابل.
خلال دقائق تجمّع نحو ستّة مسلحين، حاولوا مراراً وتكراراً من خلال شرحهم أن يوضحوا ان وجودهم في الجبل هو "لحماية الاهالي"، بعدما شهدت القرى الدرزيّة في المقلب الآخر في الجهة السوريّة معارك ضارية بين "الجيش الحر" واللجان الشعبية سقط فيها عدد من القتلى والجرحى. ثم بحكم صلة القربى والمصاهرة بين عائلات القرى الدرزية والسورية الحدودية، تعكّرت الاجواء بين أبناء العرقوب "السنّة" المؤيدين للثورة السورية، وبين اهالي راشيا الدرزية، على اثر نقل جرحى من شبعا (ذات الغالبيّة السنيّة) الى مستشفيات البقاع الغربي في جب جنين للمعالجة، ما حدا بالتيارات السياسية النافذة في المنطقة والاحزاب الى عقد اجتماع موسع للتهدئة.
وعند بداية أحداث عرسال في 2 آب الماضي، وانتشار حواجز الامن الذاتي في غالبية المناطق والقرى "الشيعية" في البقاع الشمالي، بدأت ظاهرة الامن الذاتي تطل في مناطق لبنانية أخرى، لتحل محل الدولة اللبنانية في مؤسساتها الامنية والعسكرية.
أخذت ظاهرة "الامن الذاتي"، وفق صحيفة "الراي" الكويتيّة، دورها في قرى راشيا، وهي تظهر في شوارع القرى وتحديداً عين عطا، كونها ترتبط بطريق حاصبيا - شبعا، التي كثيراً ما تسلكها سيارات الصليب الاحمر اللبناني لنقل الجرحى الذين اصبحوا ينقلون بفانات عمومية للركاب، بغية عدم استفزاز الاهالي، مما حدا بمسلحي الامن الذاتي، التابعين لحركة "النضال العربي" (التي يرأسها النائب السابق فيصل داوود) و"الحزب السوري القومي الاجتماعي" (مؤيدين للنظام السوري) الى توقيف فان بعد إطلاق النار عليه واصابة بعض مَن في داخله وتسليمهم للجيش.
المسلحون يقولون انهم نزلوا عند رغبات اهالي القرى بعد مشاهدة رعيان الماعز لمسلحين سوريين يختبؤون في احدى المغر في جبل عيحا. ووفق "وليد" فهو ليس مرتاحاً لأن يكون حارساً عند التلال "لان هذا العمل يكلف جهداً كبيراً"، ويضيف: "يومياً اسير مشياً في هذه الجبال لأكثر من 10 كيلومترات، عدا عن وعورة الطريق. لو في جيش كنا ارتحنا، نحن مش غاويين الامن الذاتي".
وقدّرت بعض المصادر ان يكون عدد مسلحي الامن الذاتي في تلك المنطقة نحو 80 عنصراً، مشيرة الى انه اذا وقع ما يستدعي "الاستنفار العام" فان عدد المسلحين حينها قد يصل الى 250 عنصراً من جميع الاحزاب بما فيهم "التقدمي الاشتراكي".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك