إنتهى شهر تمّوز والأساتذة "ما ضربوا ضربة بالتصحيح". طفَح الكيل! عبارة قد لا تفي الغضب التربوي حجمه، فالنقمة عارمة على مختلف المستويات... التلامذة في فوضى، الأهالي قلقون، والأساتذة على موقفهم، «لا عودة عن مقاطعة التصحيح".
"لوَين رايحين؟»... «شو ناطرين؟» بقلب محروق تسأل إحدى الأمّهات، بعدما أمضَت عمرَها عاملةَ تنظيف تتنقّل بين المكاتب والمنازل ليتسنّى لها تسديد أقساط ولديها لينالا الشهادة اللبنانية، إلّا أنّ حسابات حقلها لم تطابق البيدر، «حتى الآن لا تصحيح ولا ما يحَزنون».
من جهتها، تؤكّد رئيسة العلاقات العامة في لجان أهل المدارس الكاثوليكية الوالدة ميرنا خوري «أنّ صرخة الأهالي واحدة والوجع ذاته». وتقول لـ«الجمهورية»: «كإتحاد لجان أهل، بذلنا مساعيَ حثيثة منذ اللحظة الأولى، ولم ننتظر وقوع الواقعة... منذ ثلاثة أعوام نتابع الموضوع، والمؤسف أنّنا وصلنا، على ما يبدو، إلى حائط مسدود».
وتؤكّد «أنّ الأهالي ليسوا ضدّ الأساتذة، ولكنّ مطالبهم لا تُحصَّل من الطلّاب، إنّما مشكلتهم مع الطبقة السياسية. فليتوجَّهوا إذاً إلى مجلس النواب، إلى المعنيّين، إلى الوزراء ويصبّوا غضبَهم في الاتّجاه المناسب، ويفكّوا أسرَ الطلّاب".
"نحن من سيدفع الثمن"
وعمّا إذا كان في جعبة الأهالي من حلول يقدّمونها إلى الأساتذة وهيئة التنسيق، تجيب خوري: «منذ أن تألّفت الحكومة العتيدة، استبشَرنا خيراً بأن تصل الأمور إلى خواتيمها السعيدة، ولكن في الحقيقة خابَ ظنُّنا... حتى الآن الأمور تراوح مكانها".
وتذهب خوري أبعد من ذلك، فيما لو تمّ إعطاء الأساتذة ما يطالبون به، قائلةً: «لنفكّر منطقياً، مَن سيدفع ثمنَ مطالب الأساتذة؟ طبعاً الأهالي، من المؤسف أنّنا في كلا الحالين أمام خيارَين أحلاهما مُر».
وعن الخطوات المرتقبة، تشير خوري إلى «أنّ لجان الأهل ستحاول مجدّداً التواصل مع الوزير بوصعب لوضعِه في أجواء قلق الأهالي على مستقبل أولادهم، على أمل التوصّل إلى حلٍّ مشترك».
الأب عازار
"نحن في وضع لا نُحسَد عليه". بهذه العبارة يختصر الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب بطرس عازار سخطَه وأسفَه من حال التشرذم والضياع التي يشهدها القطاع التربوي في لبنان. ويقول لـ«الجمهورية»: «وعَدَنا وزير التربية بحلٍّ بعد عيد الفطر، ولكنّ الأمور تراوح مكانها.
من الواضح أنّ مسألة التصحيح محكومة بتجاذبات سياسية ومواقف لا تخدم مصلحة التلامذة، وموقفُنا واضح، قلقُنا الأوّل والأخير هو على مصير الشهادة اللبنانية، ونستغرب صمتَ المجتمع والقبولَ بضياع مستقبل أجيال لبنان». ويضيف: «لا شكّ في أنّ للأساتذة مطالبَ، ولكن لا يجوز أخذ التلامذة رهائن، لا بدّ من موقف حاسم، فعدمُ أخذ المرء حقَّه لا يعني أن يقضمَ من حقوق غيره».
ويلفت عازار إلى مغبّة تراكم المشاكل التربوية، قائلاً: «أبعد من مقاطعة التصحيح، فقد اهتزَّت العلاقة بين الأسرة التربوية، سواءٌ بين الأهل والأساتذة أو ضمن الإدارات، وإذا كان العام الدراسي مهدّداً فذلك يعني أنّ الأهالي قد لا يسدّدون الأقساط المترتّبة عليهم، فكيف ستُحصِّل الإدارات رواتبَ المعلمين؟». ويُنهي عازار كلامَه محمّلاً المسؤولية إلى «الحكومة مجتمعةً في الدرجة الأولى، يليها كلّ مَن يُعطّل تصحيح الامتحانات».
محفوض
من جهتِه، يؤكّد نقيب المعلمين نعمة محفوض «أنّ هيئة التنسيق والأساتذة وفوا بوعودهم وأجروا الامتحانات الرسمية، إلّا أنّهم ماضون بمقاطعة التصحيح ريثما تفي الطبقة السياسية بوعودها». وحذّرَ عبرَ «الجمهورية» من أن يحاول البعض المزايدة في غيرتِه على الطلاب، قائلاً: «نحن حريصون أشدّ الحرص على مستقبل الطلاب، ولكنْ آن الأوان لوضع الأمور في نصابها بعد 3 أعوام من المماطلة والتأجيل». وأضاف متفائلاً: «سيعجز النوّاب عن الاتّجاه نحو التمديد بلا إقرار السلسلة، وهذه إشارة إيجابيّة يمكن البناء عليها".
مصادر تربوية
من جهتها أعربت مصادر تربوية مواكِبة لملف مقاطعة التصحيح عن هاجسها «من أيّ حلّ قد يتمّ تبنّيه في الدقيقة الأخيرة، كاعتماد إفادات أو علامات مدرسية، فذلك يقضي على التربية»، بذريعة أنّ «ما من قرار لا شوائب فيه». وقالت لـ«الجمهورية»: «نقلنا هاجسَنا للمعنيّين من أنّ نحو 80 في المئة من تلامذة المدارس الرسمية قد يرسبون في حال تمّ اعتماد علامات مدرسية، نظراً إلى أنّ هؤلاء يصبّون كلّ جهدهم في الامتحانات الرسمية». وأضافت: «وأبعد من ذلك، فإنّ اعتماد أيّ بديل عن الشهادة اللبنانية يفتح بازاراً في العلامات".
بو صعب
وكان بو صعب قد تابعَ مع هيئة التنسيق النقابية موضوع سلسلة الرتب والرواتب ووضَعهم في صورة الحراك السياسي، ولقائه مع الرئيسين نبيه
برّي وفؤاد السنيورة، وطمأنَهم إلى مساعٍ جديدة ومرونة لإقرار السلسلة. ووضعَهم كذلك في صورة الاجتماع المقبل الذي سيُعقد الليلة (مساء أمس) مع مختلف الأطراف، لافتاً إلى أنّ الأمور جدّية جداً. ونقلَ بوصعب موقفَ برّي «بأن لا تشريع قبل إقرار السلسلة»، داعياً في الوقت عينه الأساتذة إلى «الضغط بما يقدرون عليه، وأنا سأضغط بما يمكنني... لذا ترقّبوا اليومين المقبلين لنجدَ الحلّ المناسب".
رابطة "الأساسي"
وفي السياق، عقدت الهيئة الإدارية لرابطة معلّمي التعليم الأساسي الرسمي اجتماعاً، بمشاركة أعضاء الهيئات في فروع المحافظات، ودرسَت نتائج جولة هيئة التنسيق النقابية على رؤساء الكُتل النيابية، وتوصية الهيئة بتحويل الروابط نقابات.
وأكّد الأساتذة استمرارَ مقاطعتهم أسُس تصحيح الامتحانات الرسمية، ودعوا إلى المشاركة الكثيفة في الاعتصام الذي دعت إليه هيئة التنسيق عند الحادية عشرة من قبل ظهر الأربعاء 6 آب الجاري في ساحة رياض الصلح.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك