حملت مريم رضيعها وولديها "تيدروس" و"افرام". شمّت رائحة دماء زوجها التي سالت دفاعاً عن وجودهم. رمقته بنظرة أخيرة... رسمت إشارة الصليب، عبرت فوق جثته ومشت لتبدأ مشوارها المكلل بالمآسي. من الموصل نقطة الانطلاق الى المجهول نقطة اللاوصول...
هي عائلة من بين آلاف العائلات التي استسلمت لقدرها فقط لأنّها مسيحيّة، فطردت من بيتها وأرضها، ولما قرّر زوجها البقاء لبّوا رغبته لكن على طريقتهم.
منذ اجتاج مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام "داعش" مدينة الموصل وقرروا إقامة الخلافة، عانى مسيحيو العراق مزيداً من الآلام والمآسي وكأنّه لم يكفهم ما حلّ بهم منذ الغزو الاميركي عام 2003 حين كانوا مليوناً وتراجعوا في غضون سنوات الى أربعمئة ألف وها هم يتلقون الضربة الاخيرة في العراق، بلاد ما بين النهرين التي يشكلون هم أعرق سكّانها.
ولا تقتصر "مآثر" تنظيم "داعش" على العراق فقد زرع ديار المسيحيّين في المناطق التي يسيطر عليها في سوريا موتاً وخراباً، وذلك كلّه أمام عالم لا يفعل سوى الاستنكار، كما جزم رئيس الطائفة الكلدانيّة المطران ميشال قصارجي في حديث إلى موقع mtv، سأل فيه: "من يقتل مسيحيي العراق؟ هل أصبح الغرب بلا ضمير وانسانيّة؟ اين الأمم المتحدة والدول التي تدّعي الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان؟ اين المرجعيات الدينية الاسلامية؟".
واضاف: "نصلّي لشعبنا في العراق، نرفع نداءنا الى دول القرار والنفوذ، نصلّي حتى يواصل مسيحيّو العراق جلجلة المسيح المتألم على صليب الحب، ونأمل في أن ينبلج الفجر سريعاً في القيامة".
وأكد أنّ "عروق المسيحيّة متجذرة في العراق، فلا تقطعوا هذه العروق (...)"، وأنه "كما تغلّب المسيح على الموت بالقيامة، هكذا ستغلب الموصل الموت بصمودها وايمانها ورجائها".
من جهته، روى الاب دنحا توما يوسف الذي وصل من العراق الى لبنان قبل أيام تفاصيل الاحداث في الموصل: "إما دفع الجزية إما الإسلام إما القتل بالسيف..." هذا خلاصة ما ورد في البيان الذي وزّعه مسلحو "داعش" على السكان المسيحيين في الموصل ما دفع أكثر من 1050 عائلة مسيحيّة الى النزوح قاصدين القرى الكردية التي تحيط بالمدينة والتي يعتبرونها أكثر أمانا، وحيث يتعاطف سكّان هذه القرى مع المسيحيين النازحين. لكنّ معاناتهم لم تقتصر على التهجير بل اوقفهم مسلّحو التنظيم عند نقطة "التفتيش" وسلبوهم كلّ ما يملكون ولم يتركوا إلا الثياب التي تستر أجسادهم.
وأوضح الاب يوسف انه من بين العائلات النازحة لم يبقَ سوى 25 عائلة لم تستطع المغادرة بسبب حالات إعاقة أفراد منها أجبرتهم على البقاء مع مصير مجهول بعدما فقد الاتصال بهم.
وأعرب عن استيائه وألمه من الوضع الراهن خصوصاً أنّ الكنيسة في العراق منقسمة ولا تعمل لمصلحة المسيحيّين بل "تتلهّى" بمصالح شخصيّة مهمِلةً هموم رعاياها، كاشفاً عن أنّ مساعدات كبيرة وصلت الى أيدي مسؤولين روحيّين لكنّهم استخدموها للتجارة وبناء الكنائس في وقت لا فائدة من الحجر في غياب البشر.
الى ذلك، جمع البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو المطارنة والمعنيين ليدقّ ناقوس الخطر، وتوجه الى المسيحيّين بالقول: "أعرف كم أنتم تتألمون، وأعرف أنّكم جُرّدتم من كلّ شيء. أنا معكم في الإيمان بمن انتصر على الشر".
ولعل أبلغ دليل على المأساة أنّ مسيحيي العراق، كما يؤكد المطران قصارجي، كانوا مليوناً ونصف مليون قبل دخول الجيش الأميركي عام 2003، وأصبحوا الآن 350 ألفاً.
فهل يعقل أن يسكت العالم عن جريمة في هذا الحجم ترتكب جهاراً نهاراً في القرن الحادي والعشرين؟ وأيّ رسالة توجه في هذه المحنة الكبرى لمسيحيي الشرق وسائر الأقليات؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك