نتيجة الانتخابات المقبلة ستكون أكثر من حاسمة على صعيد تقرير خارطة الطريق المستقبلية للعراق, وهي خارطة معقدة تتداخل فيها عناصر وملفات كثيرة, وتتداخل في طياتها أجندات واسعة ومتصارعة, فتحالف الصدريين مع جماعة عمار الحكيم المجلسيين مع تغيير المزاج الإيراني, وهوأمر بات حقيقيا, سيجعل من رحيل نوري المالكي عن سدة السلطة أمرا حتميا, بل إن نهاية المالكي السياسية قد لاحت مؤشراتها في الأفق وسيغيب بالتالي والى الأبد عن مسرح السلطة, ففي العراق لامجال أبدا لأي متخل عن السلطة أن يعود, لأن صندوق العفاريت والشياطين سيفتح عليه من كل اتجاه, وستثار قضايا جنائية وانتقامية عديدة ستجعل الرجل في نهاية المطاف يهرب بجلده الى الخارج, وليس هناك أفضل من بريطانيا كملجأ حصين للمغضوب عليهم والحرامية من السياسيين,خصوصا في ظل وحماية الأموال الطائلة التي نهبها حزب “الدعوة” واستثمرها في بريطانيا الأم الحنون!
لكن مع التحالف الصدري- الحكيمي التكتيكي ستنتج مشكلة تحديد شخص وهوية رئيس الحكومة القادم ومن يكون, خصوصا أن الرفاق المؤلفة قلوبهم في أركان التحالف العراقي الطائفي حائرون, يفكرون, يتساءلون في جنون عن البديل ومن يكون, وكيف يكون, وماهي مواصفاته القيادية, والجينية, والسلوكية?
اقتراح الصدريين ترشيح علي دواي لرئاسة الحكومة العراقية المقبلة ليس أكثر من نكتة عابرة, فالرجل وهو محافظ مدينة العمارة الصغيرة في جنوب العراق, لا يملك من المؤهلات والخبرة السياسية ما يجعله مناسبا لذلك المنصب السيادي الستراتيجي, وارتداء بدلة العمال لا يعني أبدا أن ذلك سيكون بمثابة جواز سفر لمنصب رئيس الحكومة, فالأمر أعقد من ذلك بكثير, وعدم وجود كفاءات لدى التيار الصدري هو مسألة جوهرية في تسليط الأضواء من جديد على القيادي في “المجلس الإيراني الأعلى” باقر جبر صولاغ الذي يصفه “الحبربش” الملتفون حوله ب¯” بوابة بغداد الخامسة” أو”ذي الرئاستين” ويلقبه خصومه بالرجل “الدريل” (اي المثقب الكهربائي الذي كان مستعملا في تعذيب الخصوم أيام وزارته لوزارة الداخلية في حكومة إبراهيم الجعفري عام 2005 وما بعدها).
صولاغ من قيادات, ورموز الحرس القديم في “المجلس الإيراني (العراقي) الأعلى”, وقد ادى أدوارا مهمة, وحساسة خلال مرحلة المعارضة العراقية السابقة كما كان له اسمه ووزنه في قيادة وتخطيط عمليات الإرهاب الإيرانية- السورية في الشرق الأوسط في ثمانينات القرن الماضي, وخصوصا في بيروت, وبغداد والكويت أيام كان عنصرا استخباريا في تنظيم المجاهدين العراقيين في بيت “أبوبلال” بحي الأمين الدمشقي.
كانت أدواره مشهودة في تزوير الجوازات العراقية, وتجنيد الإنتحاريين, وتدريبهم في مقرات المخابرات السورية لتنفيذ عمليات إرهابية في العراق كما حصل عام 1982 في تفجير وزارة التخطيط, وعام 1983 في تفجير الإذاعة والتلفزيون! وهي عمليات وخدمات “جليلة” يعتز بها السيد صولاغ, ثم اصبح مديرا لمكتب مجلس الحكيم الأعلى في سورية ولبنان حتى احتلال العراق عام 2003 ليعود مع قوافل العائدين, ويشغل منصب وزير الإسكان, ثم الداخلية, ويقود عمليات القتل والتعذيب الطائفية الكبرى التي جرت بين عامي 2005 و2006, فأبومحمد, وهذا هو اسمه أيام المعارضة هوالمرشح الأكثر إحتمالا والأوفر حظا لخلافة المالكي في ما يمكن وصفه, من دون مواربة ب¯” أسوأ خلف لأسوا سلف”, وسنة العراق متخوفون بالكامل من طائفيته الشديدة, وعدوانيته وولائه الكبير والأعمى لأولياء الأمر في إيران.
أن يكون صولاغ رئيسا للوزراء فهذا يعني في المحصلة أن النظام الإيراني قد استكمل سطوته وهيمنته المطلقة على العراق, فالرجل كما هومعروف وموثق يكن عداء شديدا للمملكة العربية السعودية, ولدولة قطر أيضا, وهو يتصرف بمنطق طائفي هجومي يلقى صدى واستجابة من قطاعات طائفية عراقية واسعة ومتنوعة, ولها حضورها في المشهد السياسي الكئيب القائم في العراق.
رحيل المالكي بات حقيقة, وليس مجرد تهويمات خيالية, والمشكلة لعموم العراقيين باتت تتمحور بين القبول بالرمضاء أو العيش تحت النيران, فالبديل ليس أفضل بأي حال من الأحوال من السلف الذى كان! لأن عناصر الأزمة تظل قائمة في ظل إستمرار السياسات الطائفية المريضة التي تختلف في ما بينها على المناصب, والإستحواذ, ولكن مرجعيتها واحدة يعرفها الجميع. في النهاية”شهاب الدين ألعن من أخيه”, تلك هي الحقيقة بلا مواربة ولا نفاق.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك