هذه السطور "عكس التيار". قد تُعجِب في جزءٍ منها الثوّار ويؤيّدونها، وقد تثير معارضتهم في جزء آخر منها، وكذلك الأمر بالنسبة الى أهل السلطة.
على الواقعيين في السلطة في هذا البلد أن يسلّموا بأنّ الإنتفاضة التي بدأت في ١٧ تشرين الأوّل ٢٠١٩ أصبحت ثورةً، ولن تخمدَ بالشكل السهل الذي كان متوقَّعاً.
نزل حزبيون من "حركة أمل" و"حزب الله" إلى الشارع في الأيام الأولى على الثورة: كان المتظاهرون بالآلاف من عكار إلى صيدا، فأصبحوا بمئات الآلاف. ثمّ أتت التصريحات السياسية المكثّفة، فاستمرّوا بالتصعيد والتوسّع في مختلف المناطق. حتّى أحداث الرينغ وطرابلس وبكفيا وعين الرمانة والشياح وصور وبعلبك، على مدى ليلتين، لم تفلح في إخماد الشارع الثائر بل قوبلت بمسيرات شعبيّة بيضاء.
الواضح أنّ ما يحصل لا يقتصر على إسقاط حكومة ولن يقتصر على الضغط لفرض حكومة مصغَّرة من إختصاصيين. المشهد بات جارفاً بإمتياز، وهو يستدعي مسؤوليّة فائقة من قبل الثوّار، لأنّ المرحلة المقبلة ستكون فائقة الصعوبة إقتصادياً ومعيشياً ومالياً أمام سعر غير مستقرّ للدولار وآلاف المؤسسات التي أقفلت أبوابها ودفعت آلاف الموظّفين معها إلى المجهول، في حين الحسم من رواتب العمال لم يوفّر مؤسّسةً وشركةً ومنشأةً للمرّة الأولى في تاريخ لبنان.
نجحت الثورة في دحض الإتهامات الموجّهة إليها، خصوصاً المتعلّقة بالتمويل من قبل السفارات، إلاّ أنها لا زالت حتى اليوم ثورةً بأفق مسدود. ثورة متماسكة، لكنّها حتّى الآن بلا أفق، لأنّ المطلوب أن يُصار إلى مواكبة التطوّرات والمواقف التي ستصدر عن السلطة، برئاساتها الثلاث، في حين أنها تفتقد إلى لجنة أو هيئة قياديّة تحدّد التوجّهات التي تمثّل الثوار في مختلف المناطق.
والأهمّ من ذلك أنّ المطلوب من النخب الشبابيّة والإختصاصيّة شرح الواقع الإقتصادي والمعيشي المنحدر وكيفيّة التعاطي معه لئلاّ يدخل الناس مع موسم الأعياد أزمةً صادمة تُلامس إستهلاكهم للمواد الأوليّة الأساسيّة، كما كيفيّة التصرّف أمام أزمة شحّ الدولار من الأسواق وارتفاع سعر صرفه في سوق الصيارفة وما إذا كان هناك خطر على الحسابات المصرفيّة، فضلاً عن تعاظم أزمة المستشفيات والأدوية.
أضف ضرورة كسر حاجز الخوف من تشرذم الصفوف وسقوط الثورة، والذهاب إلى إنتاج قيادات ولجان تنسيقيّة تضمن استمراريّة الحراك الشعبي وتُفرز أسماءً جديّة تشكّل بديلاً عن الأسماء التي يتمّ شتمها وإسقاطها الواحد تلو الآخر في الشارع ونبش أرشيفها وعلاقاتها السياسية في وسط المال والأعمال، لتبوّء المواقع الوزارية التي يعتريها الفساد.
حتّى في الثورات هناك كلامُ عقل "عكس التيار"، ولا شكّ أنّ الكلام العاقل بصوت مرتفع وصادق بنّاء أكثر من الصرخات فقط على مدى شهر وأسبوعين، خصوصاً أنّ القادم من الأيام سيحمل الأسوأ على اللبنانيين لأنّ تشكيل الحكومة سيمتدّ لفترة تتعدّى رأس السنة، والأخطر من ذلك أن تُطلّ ظواهر السرقة والأخذ بالثأر والإعتداءات برأسها بين ليلةٍ وفجر... كي لا نقول أكثر قبل أوانه.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك