أعلن الرئيس سعد الحريري استقالته امس، في خطوة "نوعية" لم يتوقّعها شركاؤه في الحكم الذين راهنوا على شخصيته المرنة وعلى ميله الدائم نحو أخذ الصعوبات والتحديات في صدره. فحلّ قراره "المفاجئ" على هؤلاء كالصاعقة، وحشرهم جميعا في الزاوية. بحسب ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ"المركزية" فإن بعبدا والتيار الوطني الحر وحزب الله وحركة امل اضافة الى تيار المردة، أُربكت كلّها بعد رمي الحريري استقالته في وجهها. وبعد "الصدمة"، ستباشر - أو باشرت- اتصالات في ما بينها للتباحث في الخيارات الواردة أمامها للمرحلة المقبلة.
هذه الخيارات ليست كثيرة، تتابع المصادر. فتحت ضغط الشارع، سيتعين على المسؤولين سريعا، تحديد الخطوة المقبلة والا عاد الثوار الى الطرقات. سيكون عليهم اولا، تحديد موقفهم من تكليف الحريري من جديد. فاذا ارادوا ان يعود الى السراي، سيكون عليهم السير بشروطه، اي حكومة اختصاصيين خالية من اي اسماء استفزازية.. فهل يرضون، خاصة وان أحد اهم اسباب اعلان الحريري استقالته كان تمسّك هذه القوى بحكومة "سياسية"، رافضين استبعاد اي شخصية نافرة منها؟
الخيار الثاني، هو ذهابهم نحو اختيار شخصية جديدة لتأليف الحكومة. لكن مهمّتهم لن تكون سهلة. فمَن هو الطرف السني الذي سيرضى بلعب هذا الدور بعد ان التفّت المرجعيات السياسية والروحية السنّية أمس حول الرئيس الحريري في بيت الوسط، في اعقاب استقالته؟ وهنا، يجب اخذ عامل مهم في الاعتبار الا وهو ان حزب الله يبحث عن حكومة "تحميه" وتؤمن له غطاء شرعيا في ظل الاستهداف الدولي الذي يتعرض له. وللغاية، تمسّك حتى اللحظة الاخيرة بالحريري رئيسا للحكومة ورسم خطوطا حمراء حول سقوطها. فهو يدرك ان الرجل، بشبكة علاقاته العربية والدولية الواسعة، قادر على اعطائه ما يعجز سواه عن تأمينه. وقد شكّلت استقالة الحريري امس، ضربة قوية للضاحية وشبكة الامان التي كانت تنسجها حول نفسها.
على اي حال، واذا افترضنا ان الفريق الحاكم وجد بديلا من الحريري، فأي حكومة سيشكّل؟ حكومة سياسيين من لون واحد، هو لون 8 آذار بطبيعة الحال، بعد ان اعلن رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط انه لن يشارك في اي حكومة لا يرأسها الحريري، وهذا يعني وضع لبنان في وجه المجتمع الدولي بأسره، ومساعدات مؤتمر سيدر الموعودة في مهب الريح (وأيضا خسارة حزب الله الاحتضان اللبناني الذي كان ينعم به في مجلس الوزراء الحالي)؟ أم سيشكل حكومة تكنوقراط ربما مطعّمة ببعض السياسيين، خاصة وان قوى كبرى وأبرزها التيار الوطني الحر، ترفض التخلي عن وزارء "ملوك" بالنسبة اليها.
الصورة على هذه الضفة يجب ان تتبلور في الساعات المقبلة التي ستحفل بمباحثات مكوكية مكثفة بين المعنيين. لكن ثمة عاملا جديدا يجدر بهؤلاء أخذه في الحسبان هذه المرة، الا وهو ثوار17 تشرين. فإسقاط الحكومة أتى بضغط منهم، وهم مصرون على حكومة اختصاصيين حياديين. وهُم، وإن خرجوا من الطرقات اليوم، الا انهم سيعودون اليها في حال لم تكن التركيبة الجديدة على قدر طموحاتهم، واذا لمسوا ان ثمة مماطلة في التكليف والتأليف.
فهل اتّعظ الاطراف السياسيون من الانتفاضة واستقوا منها العبر؟ أم انهم سيستمرون في المكابرة وفي تقديم مصالحهم الفئوية والشخصية، مديرين ظهورهم للشارع و"مستخفّين" بمطالبه، فيشعلون من جديد نار الثورة التي لا تبدو في وارد التراجع عن خريطة طريقها: تشكيل حكومة تكنوقراط، فالتحضير لانتخابات نيابية مبكرة، فاسترجاع الاموال المنهوبة؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك