فعلها رئيس الحكومة سعد الحريري وأقال حكومة العهد الاولى، متموضعاً في مقلب الشعب الثائر ضد الطبقة السياسية الحاكمة، مع انه جزء منها. حلفاء التسوية الرئاسية لم "يبلعوها"، فشريك التسوية قلب عليهم الطاولة وقت كانوا جنبا الى جنب خلال 13 يوماً في سرّاء التسوية وضرّائها . الحائط المسدود الذي اصطدم به ازاء كل المحاولات التي بذلها منذ اندلاع الثورة الشعبية بشرارة "الواتساب" لسحب فتيل الشارع ،من اقتراح التعديل الى التغيير الحكومي الى التطعيم التكنوقراطي، دفعته لاتخاذ قرار الاستقالة لا سيما بعد غزوة "شبيحة" الشارع وزعرانه لجسر الرينغ وساحتي الشهداء ورياض الصلح.
بغض النظر عن وجهة نظر التيار الوطني الحر والثنائي الشيعي من الاستقالة واعتبارها طعنة في الظهر، تقول مصادر سياسية لـ"المركزية" ان الرئيس الحريري بقراره هذا، انقذ نفسه سياسيا وشعبيا كون تداعيات بقائه في الحكومة كادت تطيح بتاريخه السياسي بأكمله، بعدما تبين ان الشارع اللبناني عموما والسني في شكل خاص من صيدا الى طرابلس وحّد الصرخة مطالبا باستقالة "الى العمل" كمطلب اول في قائمة شروطه للخروج من الطرقات والساحات، في حين حوّلت استقالته موجة الغضب ضده الى حملة تعاطف معه وفق ما تبين من المواقف المرحبة والمقدّرة خطوته بسماع نبض الشارع والاصغاء الى صوت الشعب، مصدر كل السلطات، وخصوصا السلطة التنفيذية التي يرأسها.
اما على المستوى السياسي، تضيف المصادر، فعكست "الهجمة" السنيّة في اتجاه بيت الوسط اثر اعلان الاستقالة التفافاً عارما حول شخص الحريري اعاد اليه بعض ما فقده من وهج في الشارع، وكرّسه زعيم السنّة بامتياز
في رسالة واضحة الى من يعنيهم الامر انه ما زال الزعيم الاقوى في الشارع السني وان محاولة عزله او استبداله فيما لو لجأت السلطة الى تشكيل حكومة سياسية، سيرفضها "الثوار" حكما، ستبوء بالفشل، وما زيارة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان ورؤساء الحكومة السابقين الى بيت الوسط امس الا الدليل الى ذلك.
وتؤكد ان التسوية الرئاسية التي ارتكزت الى معادلة الرئيس ميشال عون في بعبدا والرئيس الحريري في السراي، سقطت بمجرد انسحاب احد ركنيها منها، ولم يعد من مبرر لاستمرارها، فكيف سيتعاطى الرئيس عون مع الواقع المستجد، وهل يعيد الحريري اليها من خلال اعادة تكليفه تشكيل حكومة تكنوقراط فيرمم من جهة التسوية الرئاسية ويلبي من جهة ثانية مطلب اللبنانيين ويطفئ ثورة غضبهم التي اكثر ما اصابت، عهده الذي كانت تعوّل عليه، على انه سيُحدث النقلة النوعية للبلاد من ضفة الفساد والسرقة ونهب الدولة الى بر الامان حيث يُحاسب الفاسدون امام المحاكم الخاصة، لا سيما من استغل منصبه لنهب المال العام ومن اوصل الدولة الى حالها من العجز والغرق في دَين يناهز المئة مليار دولار. فهل يلتقط رئيس الجمهورية الفرصة التاريخية ويخرج نفسه من دائرة الاستهداف الى حيث يستعيد لقب "بيّ الكل" وراعي الاصلاح والتغيير ام ان القوى السياسية المتحكمة بمسار الامور ستبقى حجر عثرة في دربه؟
في مطلق الاحوال، وفي انتظار سلسلة خطوات من شأنها ان تكشف عن اللوحة السياسية المقبلة بعدما صدر اليوم بيان رئاسة الجمهورية بقبول الاستقالة والطلب من الرئيس الحريري والوزراء الاستمرار في تصريف الاعمال، ابرزها تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف شخصية سنية بتشكيل الحكومة، تدعو المصادر الى ترقب موقف شركاء الحريري في التسوية لا سيما نواب تكتل لبنان القوي الذين يأخذون عليه عدم تنسيق الاستقالة معهم، علما انها ادت خدمة للعهد بسحب الثوار من الشارع، فهل يردون الصاع بعدم تسميته للتشكيل، ام ان دواعي اعادة احياء التسوية الرئاسية تتغلب على كل ما عداها؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك