وسط حالة من الفوضى المنظّمة التي تشهدها ساحتا رياض الصلح والشهداء، وعلى وقْع الأغاني الثورية والهتافات المندّدة بالمسؤولين عن الفساد والمطالِبة بإسقاط الحكومة، تتحلّق مجموعات شبابية حجزت لنفسها مكانها الخاص في فسحة "اللعازرية" لمناقشة "الهمّ" الوطني.
على الرغم من أن "صوتيات" هذه المجموعات ضعيفة، إلا أن صوتها مرتفع، ولا ينافسها عليه إلا اندفاعها وأملها بالتغيير. البارحة، كان النقاش في إحدى الحلقات إقتصادياً. آراء وتحاليل كثيرة، يتسابق على الإدلاء بها شبان وشابات جامعيون، منها المنطقي ومنها ما يخرج عن نطاق البحث الحقيقي، ليبقى عنصر القلق مما تخبّئه الأيام المقبلة هو المشترك في الحديث.
في قلب الأزمة
بعد فترة طويلة من رفع يدها أتاها الدور، أخذت إحدى المشاركات "المايكروفون" وتكلمت بلغة لا تخلو من الحدّية، "مبارح نزل معاشي اللي مفروض عم يتحول عالبنك بالدولار، بس بل ATM ما في غير لبناني، وعندي "ستة آلاف" دفعة بالدولار، كيف بأمّنون ومن وين بدي جيب دولارات؟".
النقص بالعملة الخضراء قد يكون المشكلة الفعلية التي تواجه الإقتصاد اللبناني راهناً، فالنظام "المدولر"، الذي استطاع طيلة سنوات المزاوجة بين عملتين نتيجة ظروف داخلية وأقليمية استثنائية، أصبح اليوم عاجزاً، لا بل مهدداً، وليس قرار النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات "بمنع عمليات إخراج الدولارات النقدية دفعة واحدة في حقائب صيارفة وتجار عبر مطار بيروت الدولي والمعابر الحدودية"، إلا دليلاً على المأزق "الذي دخله البلد من بابه العريض"، إذ جرى التنسيق مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، "كي تعمد مديرية الجمارك الى إخضاع عمليات نقل الأموال الى أنظمة يعمد مصرف لبنان المركزي الى تحديدها".
إجراءات المصارف
هذه الإجراءات تترافق بحسب مصادر مصرفية مع تدابير كثيرة يجري البحث بتطبيقها، ومنها: الإبقاء على أبواب المصارف موصودة راهناً، المفاوضة مع الشركات والمؤسسات "الموطنة" رواتب موظفيها بالدولار لتحويلها الى الليرة اللبنانية عند السحب، الإبقاء على التعامل بالدولار فقط في المعاملات الرقمية من دون أن يتحول الى "كاش" بيد المواطنين، التوقف كلياً عن إصدار بطاقات الإعتماد "credit cards"، سواء كانت بالدولار أو الليرة، التعامل بجدية مع مبادرات المغتربين بتحويل كل فرد مبلغ ألف دولار أميركي الى حسابه في لبنان ليدعم إحتياطي العملات الاجنبية بالدولار، وقف تحويل الليرة الى الدولار في المصارف التجارية بشكل كلي والطلب من المواطنين تأمين الدولار من السوق الثانوية، بغض النظر عن السعر الذي سيتحدد في السوق على قاعدة العرض والطلب. القبول بتحويل الودائع المستحقة من الليرة الى الدولار، لكن شرط تجميدها لفترة طويلة. وضع حد للسحوبات بالليرة اللبنانية، تقليص اعتمادات التجار المخصصة للإستيراد.
هذه الإجراءات قد تساعد على حماية الليرة وتخفيف الضغط على طلب الدولار، إلا أنها ستخلق في المقابل مشكلة فعلية، ليس فقط عند المواطنين بل في الإقتصاد. وهي ستخفض القدرة الشرائية للمستهلكين بنفس نسبة تغيّر سعر صرف الليرة مقابل الدولار، أو حتى أكثر.
حتميّة "تحرير الصرف"
"أزمة الدولار التي لا تزال "نائمة" بسبب إقفال المصارف، ستكون عنوان المرحلة المقبلة"، يقول المستشار المالي غسان شماس، "فبغضّ النظر عمّا إذا كانت التحاليل التي نسمعها عن "rush " الزحمة، التي ستحدث فور معاودة فتح المصارف أبوابها صحيحة أو مبالغاً فيها، فإن الأكيد ما بعد الثورة ليس كما قبلها. ونستطيع تلخيص ما سيحدث بثلاثة سيناريوات:
الأول: عدد هائل من الإتصالات ستجريه المصارف بكل العملاء، الذين لم يسددوا ما ترتب عليهم من مستحقات نتيجة إقفال المصارف طيلة هذه الفترة.
ثانياً: قسم كبير من العملاء مِمّن لم يسددوا دفعاتهم لشهرين دخلوا في الشهر الثالث وأصبحوا عرضة للملاحقة القانونية.
ثالثاً: عدم قدرة المقترضين بالدولار على تسديد مدفوعاتهم في المصارف.
وبحسب شماس "الكثيرون لا يعلمون أننا سنخرج من الساحات مع سعر صرف حر، وإن كان ليس معلناً. وبالتالي فإن كل شعارت المصارف المتعلقة بالامان والاستقرار، كبنكك حدك، ورفيقك، وشريكك في خياراتك، وراحة البال، وغيرها الكثير زالت من الوجود".
ماذا سيحدث؟
الكلفة الكبيرة التي سيتحمّلها المواطنون لن تكون شيئاً أمام ما سيحدث للإقتصاد. فعملاء المصارف وبحكم إلتزامهم بتسديد مدفوعاتهم ومنعاً للملاحقة القانونية سيلجأون مكرهين الى الصرّافين لشراء الدولار على سعر يقدّر اليوم بـ 1780، ويودعونه في المصارف التجارية، التي بدورها ستودعه بمصرف لبنان، كي يسلّف الدولة". ومن ناحية أخرى، يتعاظم الخوف في ظل هذه الظروف من تحرّك رؤوس الأموال الكبيرة، سواء بسبب الخوف أو للمضاربة على الليرة والدولار.
ما الحل؟
الحلول صعبة، لكنها ليست مستحيلة. فكل الآراء تُجمع على أن الصدمة الإيجابية يجب أن تحدث أولاً باستقالة الحكومة، ومن ثم تتبعها مجموعة إجراءات موجعة، إنما ضرورية "كعملية Hair Cut أو الإقتطاع الإجباري من فوائد الودائع، شرط ألا تطاول صغار المودعين وأن لا تتم على الطريقة القبرصية السريعة إنما بتقسيطها على سنوات طوال"، يقول شماس.
على الرغم من أن "صوتيات" هذه المجموعات ضعيفة، إلا أن صوتها مرتفع، ولا ينافسها عليه إلا اندفاعها وأملها بالتغيير. البارحة، كان النقاش في إحدى الحلقات إقتصادياً. آراء وتحاليل كثيرة، يتسابق على الإدلاء بها شبان وشابات جامعيون، منها المنطقي ومنها ما يخرج عن نطاق البحث الحقيقي، ليبقى عنصر القلق مما تخبّئه الأيام المقبلة هو المشترك في الحديث.
في قلب الأزمة
بعد فترة طويلة من رفع يدها أتاها الدور، أخذت إحدى المشاركات "المايكروفون" وتكلمت بلغة لا تخلو من الحدّية، "مبارح نزل معاشي اللي مفروض عم يتحول عالبنك بالدولار، بس بل ATM ما في غير لبناني، وعندي "ستة آلاف" دفعة بالدولار، كيف بأمّنون ومن وين بدي جيب دولارات؟".
النقص بالعملة الخضراء قد يكون المشكلة الفعلية التي تواجه الإقتصاد اللبناني راهناً، فالنظام "المدولر"، الذي استطاع طيلة سنوات المزاوجة بين عملتين نتيجة ظروف داخلية وأقليمية استثنائية، أصبح اليوم عاجزاً، لا بل مهدداً، وليس قرار النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات "بمنع عمليات إخراج الدولارات النقدية دفعة واحدة في حقائب صيارفة وتجار عبر مطار بيروت الدولي والمعابر الحدودية"، إلا دليلاً على المأزق "الذي دخله البلد من بابه العريض"، إذ جرى التنسيق مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، "كي تعمد مديرية الجمارك الى إخضاع عمليات نقل الأموال الى أنظمة يعمد مصرف لبنان المركزي الى تحديدها".
إجراءات المصارف
هذه الإجراءات تترافق بحسب مصادر مصرفية مع تدابير كثيرة يجري البحث بتطبيقها، ومنها: الإبقاء على أبواب المصارف موصودة راهناً، المفاوضة مع الشركات والمؤسسات "الموطنة" رواتب موظفيها بالدولار لتحويلها الى الليرة اللبنانية عند السحب، الإبقاء على التعامل بالدولار فقط في المعاملات الرقمية من دون أن يتحول الى "كاش" بيد المواطنين، التوقف كلياً عن إصدار بطاقات الإعتماد "credit cards"، سواء كانت بالدولار أو الليرة، التعامل بجدية مع مبادرات المغتربين بتحويل كل فرد مبلغ ألف دولار أميركي الى حسابه في لبنان ليدعم إحتياطي العملات الاجنبية بالدولار، وقف تحويل الليرة الى الدولار في المصارف التجارية بشكل كلي والطلب من المواطنين تأمين الدولار من السوق الثانوية، بغض النظر عن السعر الذي سيتحدد في السوق على قاعدة العرض والطلب. القبول بتحويل الودائع المستحقة من الليرة الى الدولار، لكن شرط تجميدها لفترة طويلة. وضع حد للسحوبات بالليرة اللبنانية، تقليص اعتمادات التجار المخصصة للإستيراد.
هذه الإجراءات قد تساعد على حماية الليرة وتخفيف الضغط على طلب الدولار، إلا أنها ستخلق في المقابل مشكلة فعلية، ليس فقط عند المواطنين بل في الإقتصاد. وهي ستخفض القدرة الشرائية للمستهلكين بنفس نسبة تغيّر سعر صرف الليرة مقابل الدولار، أو حتى أكثر.
حتميّة "تحرير الصرف"
"أزمة الدولار التي لا تزال "نائمة" بسبب إقفال المصارف، ستكون عنوان المرحلة المقبلة"، يقول المستشار المالي غسان شماس، "فبغضّ النظر عمّا إذا كانت التحاليل التي نسمعها عن "rush " الزحمة، التي ستحدث فور معاودة فتح المصارف أبوابها صحيحة أو مبالغاً فيها، فإن الأكيد ما بعد الثورة ليس كما قبلها. ونستطيع تلخيص ما سيحدث بثلاثة سيناريوات:
الأول: عدد هائل من الإتصالات ستجريه المصارف بكل العملاء، الذين لم يسددوا ما ترتب عليهم من مستحقات نتيجة إقفال المصارف طيلة هذه الفترة.
ثانياً: قسم كبير من العملاء مِمّن لم يسددوا دفعاتهم لشهرين دخلوا في الشهر الثالث وأصبحوا عرضة للملاحقة القانونية.
ثالثاً: عدم قدرة المقترضين بالدولار على تسديد مدفوعاتهم في المصارف.
وبحسب شماس "الكثيرون لا يعلمون أننا سنخرج من الساحات مع سعر صرف حر، وإن كان ليس معلناً. وبالتالي فإن كل شعارت المصارف المتعلقة بالامان والاستقرار، كبنكك حدك، ورفيقك، وشريكك في خياراتك، وراحة البال، وغيرها الكثير زالت من الوجود".
ماذا سيحدث؟
الكلفة الكبيرة التي سيتحمّلها المواطنون لن تكون شيئاً أمام ما سيحدث للإقتصاد. فعملاء المصارف وبحكم إلتزامهم بتسديد مدفوعاتهم ومنعاً للملاحقة القانونية سيلجأون مكرهين الى الصرّافين لشراء الدولار على سعر يقدّر اليوم بـ 1780، ويودعونه في المصارف التجارية، التي بدورها ستودعه بمصرف لبنان، كي يسلّف الدولة". ومن ناحية أخرى، يتعاظم الخوف في ظل هذه الظروف من تحرّك رؤوس الأموال الكبيرة، سواء بسبب الخوف أو للمضاربة على الليرة والدولار.
ما الحل؟
الحلول صعبة، لكنها ليست مستحيلة. فكل الآراء تُجمع على أن الصدمة الإيجابية يجب أن تحدث أولاً باستقالة الحكومة، ومن ثم تتبعها مجموعة إجراءات موجعة، إنما ضرورية "كعملية Hair Cut أو الإقتطاع الإجباري من فوائد الودائع، شرط ألا تطاول صغار المودعين وأن لا تتم على الطريقة القبرصية السريعة إنما بتقسيطها على سنوات طوال"، يقول شماس.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك