فخامة الرئيس،
أسبوع انقضى، والشارع يُطالب برحيل الحكومة دون كلل.
أسبوع انقضى، وحركة الاحتجاجات تكبُر، ككُرة ثلج دون هوادة.
أسبوع انقضى، وحكومة متعنّتة في الحكم، متمسّكة بمقاعدها، غير آبهة لصوت الشعب، ولا لمُعاناته وأوجاعه.
فخامة الرئيس،
يعتقد البعض، أنّ التقليص الدستوري الذي طرأ على صلاحيات رئيس الجمهورية في الطائف، أضعف دور الرئاسة... كذا... ولكن الواقع، أنه وخلافاً لما هو سائد لدى الرأي العام، ما زالت رئاسة الجمهورية الموقع الأساسي دستورياً في البلاد، وأنّ التقليص الذي لحق ببعض صلاحيات رئيس الدولة كان هامشيًّا.
(الدكتور شبلي الملّاط، الرئاسة اللبنانية بين الأمس والغد، ص/21/).
فالمادة /49/ من الدستور، كرّست الموقع الحيادي للرئيس كحكم بين السلطات الدستورية، كذلك منح الدستور رئيس الدولة العديد من الصلاحيات التي تمّكنه من التدخّل الإيجابي لضبط أداء المؤسسات الدستورية، وفقاً للقواعد المعمول بها في الأنظمة البرلمانية.
ولا يقتصر دور رئيس الجمهورية فقط، أن يكون حكماً بين السُلُطات الدستورية. إنما يجب عليه السهر على ديمومة إقامة علاقة مباشرة بينه وبين الشعب (كما قال مونتسكيو). وأهم ما يجب أن يلتزمه الرئيس، في إطار علاقته بالشعب هو احترام إرادته. فإذا ما خالف الرئيس هذه الإرادة، يعني ذلك أنّ أزمة ستنشب بينه وبين الشعب، وهي لن تعود على الدولة بالخير.
سيّدي الرئيس،
مثلما فخامتك مؤتمن على احترام الدستور والقانون، فأنت أيضاً مؤتمن على احترام إرادة الشعب.
ومن أهمّ واجبات فخامتك، أن تستمع إلى آرائه ومطالبه وأوجاعه ومعاناته وصرخته.
كما ينبغي على فخامتك السهر على حماية ممارسة الشعب حقوقه، ولاسيّما التظاهر والاحتجاج، وتلك المنصوص عنها في شرعة حقوق الإنسان وسائر الشرائع الدولية. وألّا تسمح لحزب مسلّح أن يُهدّد، ويتوعّد بفضّ الاعتصامات بطرقه الميليشيوية الخاصة... كذا.... .
فخامة الرئيس،
قال (Machiavel) «إنّ على الرئيس أن يُعامل شعبه على أساس صداقته لهم، فيكون حاميهم، كما عليه أن يُعلّمهم الإخلاص للدولة وليس لشخصه.... كذا....».
سيّدي الرئيس،
آن الأوان لكي تستمع إلى معاناة مَن هُم في الشارع.
آن الأوان لكي تمنع حزباً مسلّحاً من التهديد والوعيد، لمتظاهرين عُزّل، كل همّهم إطعام عائلاتهم وأطفالهم.
آن الأوان لنزع الغطاء عن وزراء أساؤوا للعهد، ولسيّد العهد، ولو كانوا من أهل البيت، فالرئيس لا يجب أن ينجرف في سياسة الأحزاب، أو في سياسة الأشخاص الطامحين، وقد قال الرئيس (R.Poincaré) « أنّ على الرئيس أن يعلو فوق المهاترات» (Au dessus des querelles). مما يُفيد، أنّ على الرئيس أن يتصرّف على أساس أنّه القاضي الأعلى الذي يؤمّن المصلحة الوطنية (Le juge superieur de l'intérêt national) كما قال وزيرالعدل الفرنسي السابق (M.Debré) الذي أصبح رئيساً للحكومة عام 1959.
سيّدي الرئيس،
أيّها القاضي الأول،
عملاً بقاعدة «المصلحة الوطنية العُليا»،
وسنداً لأحكام الفقرة «د» من مقدمة الدستور، والتي تنصّ صراحة على أنّ «الشعب هو مصدر السلطات».
ندعوك وبكل صدق، إلى احترام إرادة الشعب وقراره، وإسقاط الحكومة قبل سقوط الوطن في المحظور.
فإن تمكّنت من إقناع الحريري بذلك فليكُن.
وإن لم تتمكّن، فليُقدّم وزراء العهد، كذلك، وزراء «التيّار الوطني الحُرّ» استقالاتهم من الحكومة. عندها تسقُط الحكومة حُكماً (عملاً بأحكام الفقرة «ب» من نصّ المادة /69/ من الدستور) لعلّة فقدانها أكثر من ثلث عدد أعضائها المحدّد في مرسوم تشكيلها.
سيّدي الرئيس،
الكُرة في مرمى فخامتك،
كما إيماننا، أنه ينبغي علينا الحفاظ على العهد، وعدم السّماح بإسقاطه في الشارع.
إيماننا أكبر، أنه آن للحكومة أن ترحَل، وأن يتمّ تشكيل حكومة من الاختصاصيين، إنقاذاً للوطن، وحؤولاً دون انهياره.
وفي الخلاصة، مسؤوليّتك كبيرة فخامة الرئيس، لا تدع الفتنة تتسلّل إلى الشارع، لا تدع لبنان ينهار. مُكرِّراً ما قاله الرسول العربي في خطبة الوداع:
«اللهم أشهد، أنّي بلّغت».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك