من شمال شرق سوريا، يرسل الأكراد إشارات إستغاثة علها تنقذهم من ظلامة رفعت سقفها إلى أفق مجهول الهوية، هجمة تركيا العسكرية منذ أيام على الرقعة الوحيدة التي كانوا يأملون في أن تتحوّل وطنا معلنا للشعب الكردي في منطقة الشرق الأوسط. ويناشد الأكراد المجتمع الدولي التدخل لمنع حصول إبادة جديدة تنطلق من "نبع السلام" لتضاف إلى سجل طويل حفل به التاريخ العالمي على مدى القرون السابقة، مع إضافة موجات نزوح جديدة غير معروفة المضمون ولا الوجهات... لكن، حتى اليوم، لم تجد الإستغاثة آذانا صاغية!
من العراق، يستغيث العراقيون من شارع إستشعر حجم الفساد الذي خلط سياسة النظام الجديد بالإقتصاد العاجز عن النهوض، فكان رفع لمستوى الفقر والبطالة والعوز، وإنعكاس في تصادمات أفضت إلى ضحايا بين المتظاهرين وعناصر الأمن. تحركت رئاسة الحكومة، فأحال رئيسها ملفات 9 من كبار المسؤولين السابقين إلى القضاء لمحاكمتهم بتهم فساد، وأعطى التوجيهات لتشكيل لجنة للتحقيق في "عنف التظاهرات".
وإلى لبنان، تتقطع أنفاس المواطنين إحتباسا إقتصاديا وإجتماعيا ومعيشيا على وقع أزمات، بعضها مفتعل وبعضها نجم عن حجم الضغط الذي يتعرض له الإقتصاد والليرة والقطاع المصرفي. إشارات إستغاثة تُرسل يوميا من شباك صرّاف ومن محطة محروقات. وبدءا من اليوم ورغم ما أشيع عن حلّ أعقب تدخل رئيس الجمهورية لفكّ التحرك، تدخل الأفران في منظومة "الإضرابات" كما أعلنت نقابتها ليلا، رفضا لرحلات البحث الطويلة عن دولار تخلّى عن إنضباطه طويلا تحت جنح سياسة التثبيت.
كثيرة هي التحليلات ومعها الشائعات التي تثير المخاوف والقلق على مستقبل غامض، دفع مجموعات مدنية إلى الحراك في شوارع العاصمة رفضا لضيق تزيد حدته كلما أمضت السلطة السياسية حكمها من دون إنجازات... فها هي موازنة 2020 تكاد تولد على شاكلة سابقتها (موازنة 2019) خالية الوفاض من إصلاحات لا تزال عصية على "واقعية الأرقام"، لكنها تصرّ على التمسك بـ"الموعد الدستوري" لموجبات إقرارها. ووفق ما رشح من معلومات أمس، فان مجلس الوزراء على موعد بعد ظهر اليوم مع "إمتحان الموازنة" وإصلاحاتها التي تردد أنها ستأخذ في الإعتبار متطلبات مؤتمر "سيدر" الذي يفرض على لبنان إجراءات تقشفية لا يمكن تجاهلها، لإخراجه من أزمته الإقتصادية وتحسين المستوى الإجتماعي لأبنائه.
التوافق السياسي الذي وُلد قيصريا في اليومين الأخيرين، أعقب توافق لجنة الإصلاحات الوزارية على بنود سيصار إلى تضمينها في مشروع الموازنة، إضافة إلى سلة إجراءات (مشاريع قوانين) ستُحال إلى مجلس النواب. هذا ما عبّر عنه صراحة رئيس الحكومة سعد الحريري أمس بقوله "إن الموازنة ستقرّ إنشالله، وسيتبعها سيل من الإصلاحات والقرارات التي ستريح البلد".
هل يعني هذا أن الحكومة ستقدم على إستنساخ موازنة 2019 بكل وعودها الإصلاحية؟ تقول مصادر شاركت في إجتماعات اللجنة إن معارضة بعض الأفرقاء السياسيين تنطلق من ارتفاع حجم العجز العام إلى نحو 8 مليارات دولار بفعل إرتفاع الإنفاق وإنخفاض الإيرادات، مع قرارات غير مرفقة بدراسات علمية تضمن تحقيق الأهداف، ومنها ما يشمل قرار خفض الدعم لقطاع الكهرباء من 2500 مليار ليرة إلى 1500 مليار رغم تحفظ وزيرة الطاقة ندى البستاني!
التحفظ لا يقف عند حدود أرقام الموازنة بحدّ ذاتها، تضيف المصادر، بل بتهريب مشاريع قوانين إلى مجلس النواب "وهي فارغة المضمون". وتعطي مثالا على ذلك، قانون المناقصات العمومية وقانون التهرّب الضريبي، "في ظل تضييق حلقة الصلاحيات المنصوص عليها في القوانين، لا لإدارة المناقصات ولا للمجلس الأعلى للجمارك".
تحفظ المصادر يترافق مع تحفظ مصرفي يأخذ على الحكومة تغييبها منذ نحو 6 أشهر، تعيين أربعة نواب في حاكمية مصرف لبنان بسبب "خلافات سياسية" رغم ما تمرّ به البلاد من أزمات إقتصادية ومصرفية ونقدية، قد لا يكون آخرها أزمة الليرة/الدولار التي تُرك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وحيدا في مواجهتها، ربما بقصد تحميله مسؤولية تبعاتها، مع أن سياسة تثبيت سعر الليرة تحظى بغطاء سياسي صريح وبقرار صادر عن مجلس الوزراء.
وتشير المعلومات إلى أن التوافق السياسي إقتصر على منصب نائبي الحاكم الأول (شيعي) لمصلحة رائد شرف الدين تجديدا، والثالث (سني) لمصلحة محمد بعاصيري تجديدا. وتردد أن "معضلة" النائب الثالث (درزي) حُلّت بإعطاء خيار التسمية للزعيم الدرزي وليد جنبلاط لمصلحة فادي فليحان. لكن، يبقى منصب النائب الرابع (أرمني أرثوذكسي) عالقا ما بين "حزب الطاشناق" الراغب في التجديد لهاروتيون ساموئيليان الذي إنتهت ولايته في 31 آذار/مارس الماضي، وبين الوزير جبران باسيل الراغب في تعيين غربيس إيراديان (أرمني كاثوليكي)، وهو كبير إقتصاديّي منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا في معهد التمويل الدولي.
القادم من الأيام يبشر برياح إيجابية ستهبّ من واشنطن لتعادل تداعيات ما تخلّفه العقوبات على "حزب الله". ألا يفترض بالحكومة إستثمار هذه الرياح بما تشتهيه مصلحة المجتمع؟ المعلومات تقول إن واشنطن ستخصّ لبنان "قريبا" بوديعة مالية في سياق حرصها على "تعويم" الإستقرار الإقتصادي والمالي للبلاد، وتوحي بأن الوديعة قد تكون على شكل "دعم مباشر" من الخزانة الأميركية إلى الخزينة اللبنانية، في قرار غير مسبوق قد يتبلور أكثر بين الطرفين في إجتماعات واشنطن بعد أيام، ليُترجم قريبا فور الإتفاق على الآليات...
إن صحّت تلك المعلومات التي يكثر تردادها في بيروت، ستكون فرصة كفيلة بضبط إهتزاز الثقة إذا وجدت مَن يتلقفها. فهل هذا بالمستحيل؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك