يتأكد يوما بعد يوم ان المملكة العربية السعودية دخلت في حقبة جديدة من عمرها، لا تلحظ فقط اعتماد نمط مختلف في التعاطي مع القضايا الاقليمية، بل تشمل أيضا الانطلاق في ورشة داخلية واسعة النطاق سترسي تباعا مفاهيم واصلاحات كانت تعدّ حتى الامس القريب، من المحرّمات. ووفق ما تقول مصادر دبلوماسية لـ"المركزية" فان عراب هذه "الوثبة" هو الأمير محمد بن سلمان، حيث لم يكن تعيينه وليا للعهد السعودي في حزيران الماضي، من باب الصدفة، بل شكّل دليلا الى التغييرات المقبلة الى المملكة. فاذا كان الاخير راسم "رؤية السعودية 2030" الاقتصادية والتي من أبرز أهدافها "تحرير اقتصاد المملكة من الاعتماد الكثيف على النفط"، فإن إصلاحات الامير "الشاب"، لا تقتصر على الاطار الاقتصادي بل طاولت أيضا في الأشهر الماضية، مجالات يومية - دينية، حيث تم رفع الحظر الذي كان مفروضا في المملكة على قيادة النساء للسيارات، كما تم بث، وللمرة الاولى، حفلة موسيقية لام كلثوم، على شاشة التلفزيون السعودي.
الا ان الموقف الاكثر تقدّما الذي أطلقه بن سلمان في هذا الاطار، بحسب المصادر، جاء أمس خلال مشاركته في منتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار" في الرياض، حيث تعهّد العمل على إعادة "الإسلام المعتدل" إلى البلاد، قائلا "حدثت تغييرات بعد عام 1979، لكن المسؤولين سيزيلون بقايا التطرف في المستقبل القريب". واذ أكد ان "السعودية لن تضيع السنوات الثلاثين المقبلة في التعامل مع هذه الأفكار المتطرفة"، أشار الى "أننا نعود إلى ما كنا عليه من قبل - إلى الإسلام المنفتح على جميع الأديان والتقاليد والشعوب، وسنقضي على التطرف قريبا جدا".
وفي وقت تلفت الى ان هذا الخطاب يُعد الأقوى والاكثر تمرّدا على المؤسسة الدينية المحافظة في الدولة، على لسان مسؤول في المملكة، تشير المصادر الى ان لا يمكن فصل التوجّهات الاصلاحية التي يدفع نحوها بن سلمان عن مقررات القمة الأميركية - السعودية التي انعقدت في الرياض، في حضور الرئيس الاميركي دونالد ترامب في الربيع الماضي.
فصفحة التعاون التي فُتحت مجددا بين الجانبين، ووضعت حدا لحقبة من الجفاء خلال فترة تولي الرئيس باراك اوباما مقاليد البيت الابيض بسبب الاتفاق النووي الذي أبرمه مع ايران، كان من أبرز ركائزها اتفاق على تحجيم النفوذ الايراني في المنطقة وتعزيز الدور السعودي في الاقليم، الا ان واشنطن يبدو طلبت في المقابل من الرياض، في ظل موجة التطرف والارهاب التي تجتاح العالم، أن يكون لها الدور الرائد في محاربة هذه الآفة وتطويقها، انطلاقا من موقعها السني. فكان أن أنشئ بالتعاون بين البلدين، "مركز لمكافحة الخطاب الإسلامي المتطرف". وقد كشف وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في جلسة استماع في الكونغرس في 14 حزيران الماضي ان "المركز قائم الآن، وقد افتتح وله عدد من العناصر لمهاجمة التطرف حول العالم، وأحدها نشر السعودية كتبا دراسية جديدة تدرس في المدارس الموجودة في المساجد حول العالم، هذه الكتب ستحل محل الكتب الدراسية الموجودة اليوم هناك، التي تبرر للفكر الوهابي المتطرف الذي يبرر العنف، وقد طالبناهم ليس فقط بنشر الكتب المدرسية الجديدة، لكن بسحب الكتب القديمة حتى نستعيدها".
وفي وقت تؤكد ان قطار التغييرات البنيوية في المملكة انطلق وستكون له محطات كثيرة اضافية مستقبلا، ستبدّل صورتها النمطية التقليدية التي عرفها العالم في الحقبة الماضية، تشير المصادر الى ان هذه الاصلاحات ستترافق بل ستساهم في توسيع الحضور والدور السعوديين على الساحتين الاقليمية والدولية.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك