مع بدء العدّ العكسي لدخول عهد الرئيس العماد ميشال عون عامه الثاني في 31 الجاري، توحي "جرْدة الحساب" للسنة الأولى على التسوية السياسية التي كانت أنهتْ فراغاً رئاسياً امتدّ لنحو 30 شهراً، بأن المسار الذي أَمْلى "فكّ الاشتباك" الداخلي على قاعدة انتخاب عون وعودة زعيم "تيار المستقبل" سعد الحريري الى رئاسة الحكومة ما زال يشكّل ما يشبه "حبل النجاة" للواقع اللبناني الصامد أمام "العصْف" الاقليمي المفتوح على المزيد من الفصول الساخنة.
وتؤشر المعطيات الداخلية إلى أن أياً من الأفرقاء الوازنين في لبنان ليس في وارد، أقلّه في المدى المنظور، المساس بمرتكزات الاستقرار الذي وفّرتْه التسوية، لا سيما أن أفق "الهجمة" الخارجية المرتقبة على "حزب الله" وإيران غير واضح المَعالم والحدود، في حين أن خصوم الحزب يرْكنون إلى التسوية باعتبارها تعبيراً عن موازين قوى سيكون من الصعب القفز فوقها وخصوصاً في ضوء التحولات في المنطقة وفقدان الدينامية الداخلية كما الأدوات الكفيلة بنقل الوضع اللبناني إلى مرحلة مواجهةٍ مباشرة سيكون الاستقرار أولى ضحاياها.
وإذا كان كلام وزير الداخلية أمس يشكّل في جانبٍ منه رداً على مناخاتٍ تشيع بأن التسوية جاءت على حساب البيئة السياسية لرئيس الحكومة وأنها سبّبتْ إحباطاً في البيئة الشعبية، فجاء المشنوق ليحاول تظهير المكاسب من هذه التسوية و"إنجازاتها"، فإن الجانب الآخر يعطي المزيد من الإشارات الى أن واقع "ربْط النزاع" سيستمرّ على صموده أقلّه حتى الانتخابات النيابية المقبلة 2018، إلا إذ طرأت تطورات دراماتيكية في المنطقة أو على صعيد المواجهة الأميركية - الإيرانية تُمْلي تغيير قواعد اللعبة.
ومن هنا، فإن الأجواء التي سادت في الساعات الماضية حول إمكان استقالة وزراء حزب "القوات اللبنانية" من الحكومة تبدو أكثر في سياق التعبيرات عن أزمةٍ بين "القوات" وأطراف في الحكومة تتصل بكيفية إدارة السلطة والشفافية في بعض الملفات، ولكن تحت سقف التسوية التي كان رئيس الحزب الدكتور سمير جعجع أعطى من أستراليا أبعادها الاستراتيجية، راسماً مخاطر الإطاحة بها في هذا التوقيت.
وتبعاً لذلك، تشير أوساط سياسية الى أن طرْح مسألة استقالة وزراء "القوات" هي في سياق "جرس الإنذار" برسم أكثر من طرف، لا سيما "التيار الوطني الحر" وحتى تيار "المستقبل"، في ظل ملاحظات "القوات" وبالصوت العالي داخل الحكومة وخارجها اعتراضاً على حجب اعتمادات عن وزاراتها والتأخر في بتّ تعيينات ومناقصاتٍ تَعتبر أنها لا تراعي معايير الشفافية، مستبعدة أن تكون "القوات" في وارد الاستقالة على خلفية هذه التباينات، خصوصاً ان مثل هذه الخطوة لها حسابات كبرى ليس أقلّها رغبة خصومها (من "8 آذار") في رؤيتها خارج السلطة ومعزولة، هي التي شكّلت إحدى ركائز التسوية التي أوصلت عون الى قصر بعبدا.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك