ينظر الاميركيون وكذلك الروس إلى المنطقة من منظار جيوسياسي مختلف. إذ بدأت كيانات تتفتت، والتوقيت لم يحن بعد لتحديد مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد، ومصير سوريا، وحيث استوعبت الدول ولا سيما الغربية منها، أن كل المحاولات التي جرت لتغيير النظام باءت بالفشل بفعل التدخل العسكري الروسي.
فكل ما يحصل حالياً، من مسألة إستيعاب إستمرارية دور الأسد، إلى العقوبات الأميركية على «حزب الله» والمتوقعة قريباً، ومحاولة الحد من النفوذ الإيراني، كل ذلك يحصل في مرحلة من الوقت الضائع قبل بلورة معالم الخريطة السياسية الجديدة للمنطقة. والأفرقاء على الأرض في هذه المرحلة يحاولون تحقيق مكاسب وقضم مساحات من مكون إلى آخر، ولاسيما في سوريا.
هذا ما تؤكده مصادر ديبلوماسية في عاصمة فاعلة ونشيطة. من هنا، فإن المعارك الدائرة في بعض المناطق في سوريا ليست إلا محاولات لتوسيع النفوذ قبل الوصول إلى مرحلة ترسيم خرائط المنطقة، وفرزها إلى كيانات. ومن هنا أيضاً إستمرارية الأسد في السلطة ولو شكلياً، وفقاً للمصادر، محافظاً على ماء وجه الدولة السورية، إلى حين تفتتها إلى كيانات. ومن الآن إلى ذلك الحين، لا يستأهل الوضع التفكير الدولي بخلف له أو بديل منه، أو شريك جديد للمجتمع الدولي غير واضح الأداء دولياً. ما حصل في كردستان وإقليم اربيل مقدمة لما يحصل في المنطقة التي يُتوقّع أن تترسم معالمها بشكل مختلف. وبالتالي، المنطقة في مرحلة «سايكس بيكو» جديد، لكن بجنرالات مختلفة تعمل وتشارك في عملية الترسيم، والاميركيون، عندما يكون الوضع جيداً ويناسب طموحاتهم، لا يتدخلون.
«حزب الله»، بحسب المصادر، يُفيد إسرائيل ويناسبها دولياً، أي أن وجوده يجعلها في حالة جهوزية نتيجة ما قد «تتعرض له من جراء وجوده وتهديداته» والدول الكبرى تنظر لها بعين العاطفة، بعكس نظرتها إلى ملفات المنطقة التي تكبد شعوبها الثمن الغالي. وجود الحزب، يجعل الأميركي يدعم إسرائيل سياسياً وأمنياً. وهو، أي الحزب، لن يقوم بمغامرة إنطلاقاً من الجنوب، وفي الوقت نفسه يعطي الإنطباع بأنه يخيف أكبر دولة عدوة ومسلحة في العالم. كما أن ما يناسبه الإنطباع بأنه يقف في وجه العدو الصهيوني. فهل تغير شيء في وضع الحزب الآن لفرض عقوبات أميركية عليه، وما نفع العقوبات إذا كانت الأموال تصل إليه من الدول «بالكاش» والسلاح يتدفق من سوريا؟، وهذا ما يدركه الأميركي الذي لديه ترسانة عسكرية في سوريا يستطيع التحرك بها.
ليس من شيء فائق القدرة في النظام العالمي عندما يحين أوان القرارات الكبرى، لن يبقى الحزب كياناً حراً، إنما التوقيت هو المسألة، والحد من النفوذ الإيراني أيضاً مسألة قرار. عند إنتهاء الأدوار يصبح المصير مسألة أخرى، إن حزب «الفارك» في كولومبيا تم ادخاله في منظومة الدولة، كل منظمة أو حزب عندما يؤدي دوره وينتهي، يصبح مصيره مختلفاً، وعلى المدى البعيد، الدول تبقى والتنظيمات تزول في وقتها.
والسياسة الأميركية تجاه إيران باتت تتوضح أكثر، في حين أن السياسة تجاه سوريا لم تظهر بعد. بعد خطاب للرئيس الأميركي دونالد ترامب والعقوبات التي فرضت على الحرس الثوري الإيراني كوسيلة للحد من النفوذ الإيراني، كون الحرس لا يمسك فقط السياسة الداخلية والخارجية، بل أيضاً الإقتصاد وهذا يؤثر على التسليح والتمويل للأحزاب خارج إيران والتي تعمل لتوسيع نفوذها وتعميقه. فالحرس يتعامل مع شركات دولية ضخمة، والعقوبات تمنع ذلك لأن الشركات التي تتعامل معه، معرضة أيضاً للعقوبات. وهذه الشركات لن تخسر تعاملاتها الدولية من أجل الإبقاء على تعاملاتها مع إيران والحرس الثوري.
والعقوبات على إيران تحصل بالتزامن مع إتخاذ عقوبات أميركية على «حزب الله» والتي ستقرّ خلال أسبوعين، بحسب المصادر. في الموضوع الإيراني، السياسة باتت واضحة وإن لم تصل إلى حد إعلان الحرب، لكن حول سوريا هناك إنتظار لِما سينتج عن المباحثات الأميركية ـ الروسية، حيث التعامل مع روسيا للضغط على إيران في سوريا مختلف ولن تلجأ إلى عقوبات على روسيا، إلا ما فرض عليها بالنسبة إلى أوكرانيا.
وذلك كله يؤكد أن محاربة «داعش» تساوي في اولوياتها لدى الاميركيين الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة.
الاميركيون يدركون أن العقوبات هدفها سياسي ومعنوي، لأن الحزب تأقلم مع العقوبات، إلا إذا اتخذت خطوات تصعيدية حول الأسماء والشخصيات والطائفة الشيعية. لكن التصعيد لن يكون آنياً وسريعاً. والاميركيون يعتمدون على الروس لضمان أن الحل في سوريا لا يعطي نفوذاً لإيران، وفي إنتظار التسويات الكبرى تم توقيف برامج دعم المعارضة السورية لإرضاء الروس، حتى أن فريقاً من الإدارة الأميركية كان ضد هذه الخطوة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك