قبلَ أيام قليلة، استضافت شخصية سياسية لها وزنُها مجموعةً من السياسيين إلى مأدبة عشاء، وكان نجم المأدبة سفير دولة كبرى، الذي حضَر برفقة مسؤول سابق في إدارة تلك الدولة الكبرى، ويُعتبَر من الخبراء المحيطين بشؤون الشرق الأوسط.تحوّلت المأدبة إلى ما يُشبه «جلسة استجواب» للمسؤول المذكور حول الأطباق المتعدّدة التي كانت على الطاولة؛ وضع المنطقة، الاتفاق النووي بين الدول الكبرى وإيران الذي طوّقته استفسارات الحاضرين حول مصيره، والتداعيات المحتملة لتجميده من قبَل الولايات المتحدة الاميركية، أو إلغائه ونسفِه، وأمّا لبنان فقد تمَّ الدخول إليه من باب العقوبات الأميركية على «حزب الله»، وتأثيراتها عليه كما على الاقتصاد اللبناني، وكذلك من باب التغريدات التصعيدية المتتالية ضدّ الحزب من قبَل الوزير السعودي ثامر السبهان.
عن لبنان، ففي جانب من كلام المسؤول الكبير، وكذلك المداخلات المقتضبة للسفير، حمل تكراراً لموقف تقليدي حول الاستقرار السياسي والامني في لبنان وضرورة الحفاظ عليه والحؤول دون ان يتعرّض لأيّ انتكاسة. مع التأكيد على الحفاظ على الحكومة وعدم تعريضها لأيّ اهتزاز، وإجراء الانتخابات النيابية في موعدها في الربيع المقبل بشفافية ونزاهة.
واستنتج الحاضرون ممّا أورده الضيفان أن لا وجود لأي مبادرات دولية من ايّ نوع تجاه هذا البلد. وهو موقف لمسَه زوّار واشنطن في الفترة الاخيرة الذين عادوا بخلاصة انّ لبنان لم يصل بعد ليكونَ في قائمة الاولويات الاميركية، والمهمّ بالنسبة الى الاميركيين هو الحفاظ على الوضع الحالي على ما هو عليه.
وأمّا الجانب الآخر لكلام الضيفين، فقد ارتكزَ على إشارات بالغة الدلالة:
- الاولى، إنزعاج من الموقف الرئاسي وتناغمه الكامل مع «حزب الله».
- الثانية، إستياء بالغ من زيارات بعض الوزراء الى سوريا، وكذلك من لقاء وزراء آخرين بمسؤولين سوريين، في إشارة الى لقاء وزير الخارجية جبران باسيل بوزير الخارجية وليد المعلم، وقد تمّ إيصال هذا الاستياء عبر بعض القنوات.
- الثالثة، إستياء جدّي من الخطأ الكبير الذي ارتكِب في لبنان، والذي تجلّى في تغطية مسؤولين لبنانيين لمشاركة «حزب الله» في معارك الجرود ضد إرهابيي داعش والنصرة. وتمّ إرسال رسائل بهذا المعنى من الاميركيين وعبر البريطانيين الى مسؤوليين لبنانيين سياسيين وغير سياسيين.
- الرابعة، تفهُّم حجمِ العبء الذي يتحمّله لبنان في موضوع النازحين السوريين، ولكنّ أسلمَ طريقةٍ لمعالجة هذا الملف، تتم تحت سقف الامم المتحدة.
- الخامسة، تغريدات السبهان، هي تغريدات عابرة، إذ ما هي سوى نوع من انعكاس الموقف السعودي العدائي لـ»حزب الله»، ولا تتمتع بفعالية أو قدرة على اخذِ الامور في اتّجاه تصعيدي في الداخل اللبناني، وبالتالي هي تغريدات محدودة المفعول.
- السادسة، «حزب الله» عنصر توتير دائم للبنان والمنطقة، والعالم كلّه وفي مقدمته واشنطن، ينظر بقلق الى تنامي قدراته. ومن هنا فإنّ العقوبات عليه، هي مسار طويل بدأ منذ زمن وسيستمر، وأينما وجَد الاميركيون ثغرةً للضغط على الحزب سيَنفذون منها لاتّخاذ إجراءات ضاغطة على الحزب ورادعةٍ له.
عن وضعِ المنطقة، تحدّث الضيفان عن واقع جديد بدأ يتكوّن فيها وخصوصاً في الميدان السوري، حيث يبدو أنّ حظوظ الحل السياسي والوصول الى تسوية نهائية قد تزايدَت وصارت اكبرَ من ايّ وقتٍ مضى. إلّا انّ ما عاد وزرَع الشك في نفوس الحاضرين ما قاله الضيفان عن انّ الارهاب يخسر في سوريا والعراق، إنّما القضاء عليه يتطلّب وقتاً وعملاً وجهداً كبيرين، ما يعني انّ الواقع الجديد الذي أشارا اليه لم يتبلوَر بعد، ودونه عقبات كبرى وجبَهاتٌ عسكرية ستفتح وساحاتُ معارك وقتال ستشتعل.
والأهمّ أنّ في كلام الضيفين تعبيرٌ واضح عمّا هو اكثر من استياء اميركي وغربي من الموقف الروسي وايران و«حزب الله» الذي تمكّن من إنقاذ نظام بشّار الأسد، وأمّا تركيا، فبحسب كلام الضيفين، فإنّها تحاول في هذه الفترة ان توجِد لها موقعاً مؤثراً على ساحة المنطقة من خلال التقرّب من موسكو وطهران، ولذلك فالاتراك يحاولون اليوم ان يوحوا للعالم انّهم بصدد الانتقال من محور الى محور، وأكثر من ذلك يحاولون ان يوحوا وكأنّهم عازمون على الخروج من حلف الناتو. وفي الخلاصة، الاميركيون وكذلك دولُ اوروبا وسائر الغرب لا يثقون بالاتراك ولو لمسافة متر واحد.
واللافت في سياق الكلام عن وضع المنطقة، أنّه امام سؤال ملِحّ طرَحه احد الحاضرين عليهما حول مستقبل المنطقة والخشية من تقسيمِها ربَطا باستفتاء اقليم كردستان وما حكِيَ عن دور اسرائيلي فيه، قارَب الضيفان المذكوران المسألة الكردستانية واستفتاء الانفصال عن العراق، كحدثٍ عاديّ يجري في دولة مستقلة، وفاجأا الحاضرين باستبعادهما ان تكون لهذا الانفصال تداعيات سلبية لا على العراق ولا على ايٍّ من دول المنطقة، وبوصفِهما الحديثَ عن تداعيات وسلبيات هذا الانفصال بالكلام المبالغ فيه. في طيّات هذا الكلام تقرأ المباركة الضمنية للانفصال وكلِّ ما قد يترتّب عليه.
عن الاتفاق النووي، كان الضيفان جدّيَين جداً في التأكيد بدايةً على انّ كلّ منظومة الـ 5+1 ما زالت ملتزمة بهذا الاتفاق. وفي معرض توضيحهما للموقف الاميركي خالَفا الأجواء التي سادت في الايام القليلة الماضية والتي تحدّثت عن خروج اميركي من هذا الاتفاق. وقالا صراحةً إنّ الرئيس ترامب سيحيل الاتفاق الى الكونغرس. (قيل هذا الكلام في وقتٍ لم يكن الرئيس الاميركي دونالد ترامب قد اتّخذ قراره في شأنه بعد).
وما لم يقُله المسؤول الخبير بشؤون الشرق الاوسط امام كلّ الحضور قاله همساً امام الشخصية السياسية صاحبة الدعوة، حيث قال ما حرفيتُه «لا استطيع ان أدّعيَ أنّني اعرف ماذا يفعل ترامب، أو ماذا سيفعل، او الى اين سيصل، كلّ يوم يقدّم مفاجأة جديدة امام الشعب الاميركي والعالم.
عندما اقول إنّ العالم كله ملتزم بالاتفاق النووي فأنا أعي ما أقول، أوّل الملتزمين هو الولايات المتحدة لأنّها تدرك انّ مجرد خروجها من الاتفاق فمعنى ذلك انّها تفتح الباب مجدداً أمام ايران لإعادة إبراز برنامجها النووي واستئناف تخصيب اليورانيوم، والذي نعرف أنّه بلغ مستويات خطيرة قبل توقيع الاتفاق».
سألت الشخصية السياسية عن موجبات تصعيد ترامب حيال الاتفاق النووي مع ايران، وهل ثمّة رابطٌ ما بين هذا التصعيد والتجارب النووية الكورية الشمالية، فردّ الخبير: «كوريا أحرجَت ادارة ترامب، ورغم ذلك تمّ احتواء الاستفزازات الكورية بطريقة سلمية. هناك في الادارة من أعاد وَضع الاتفاق النووي مع ايران على الطاولة، وترامب تلقَّفه لتحقيق إنجاز، ليس عبر إلغائه او الخروج منه، الذي هو ليس بالامر السهل، بل عبر محاولة إدخال تعديلات عليه تتشدّد على ايران اكثر من تلك المنصوص عليها في الاتفاق حالياً، خصوصاً وأنّ ايران قطعت مسافات بعيدة في تطوير برنامجها الصاروخي، وعليه فأنا اتوقّع ان يحيل ترامب الاتفاق النووي مع ايران الى الكونغرس ليقرّر في شأنه».
ثمّ تابَع هامساً: «إذا صحَّ هذا، ورَمى ترامب الاتفاق النووي على الكونغرس، فسيبدو الأمر وكأنه يَهرب من اتخاذ القرار ويلقي الكرة الى الكونغرس، وهو ما قد يُدخله في إحراج، وكذلك قد يُدخله في عاصفة من النقاش بين مؤيّدي الاتفاق ومعارضيه، وقد تترتّب عليها مفاعيل داخلية سلبية بين ادارة ترامب وخصومها داخل الولايات المتحدة».
في نهاية كلامه، توجَّه المسؤول الخبير في شؤون الشرق الاوسط بسؤال الى الشخصية السياسية صاحبة الدعوة للعشاء عمّا قد يكون عليه موقف ايران الفعلي على هذا التوجّه ضدّها، فكان ردّها أنْ قالت: «الإيرانيون قالوا ما عندهم سواء حول الاتفاق النووي او حول الحرس الثوري ومحاولة تصنيفه إرهابياً، وهدّدوا من المرشد السيّد الخامنئي الى الرئيس روحاني ووزير الخارجية. ايران في ظلّ هذا الجو تستطيع ان تلعب دور الضحية، وهي تتقِنُ لعبَ هذا الدور جيّداً، وتقول انّها مستهدفة لأنها ملتزمة بالاتفاق، وهذا الالتزام أكّدته الدول الموقّعة على الاتفاق ووكالة الطاقة الذرّية».
أكثر من ذلك، تضيف الشخصية المذكورة، «إذا أراد الاميركيون ان يحسّنوا من شروط الاتفاق لمصلحتهم بما يزيد الضغط على ايران، فإنّ إيران تملك قدرة ان تقول «لا»، ففي سنوات ما بعد توقيع الاتفاق استطاعت ان تُحسّنَ حضورَها الفاعل والمؤثّر إقليمياً وعلى الساحة الدولية، وكلُّ العالم تقريباً يقول إنه سيأتي إليها. من هنا لا أعتقد انّ الايرانيين يَقبلون بأن ينتحروا، أو يُساوموا على حضورهم ودورهم وثِقلهم الاقليمي والدولي، ولا على الاتّفاق النووي ولا على برنامجهم الصاروخي الذي هو جزء من حصانتهم وكرامتهم القومية، وإنْ دُفِعوا إلى المواجهة فسيَذهبون إليها».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك