كلهم ضعفاء.
الأطراف التي تتصارع في هذه البقعة الملعونة، يتلاقون في الضعف، سواء كانوا سلطة أو معارضة. طائفة كبيرة أو صغيرة، دولة أو جمهوراً يعاني من سياساتها الفاشلة.
حرب الضعفاء تلك، تتجدد في كل مفصل سياسي من انتخابات الرئاسة في لبنان الى مصير بشار الاسد في سوريا، مرورا بمستقبل حكم الرئيس السيسي في مصر، وما ستذهب اليه الجزيرة العربية على يد الجيل الثالث من آل سعود، بل حتى ثنائية حماس وفتح، لم يعد باقيا منها سوي ما يمليه الضعف.
تلك الإملاءات تربك جمهورا واسعا من «مستهلكي» السياسة وجمهورها الذي تعوّد على الحشد، والشعارات، وانتظار المنح والأوامر من ساكني الطبقات العليا من نخب الدول والطوائف وبيوت الحكم.
هذا الجمهور يتكتل الآن في كتل افتراضية يسمونها في مصر «الغلابة» وفي لبنان «المعترين» وهؤلاء يملكون فصاحة الشكوى، واحتياجاتهم... تنطلق الحكمة الممزوجة بمرارة الضحية ومظلوميتها: «كلهم خائنون..».
وبطبيعة تكوين هذا الجمهور فهو الجسم الكبير الذي تصعد على كتفه الزعامات والأبطال ليديروا مصائر بلاد ودول بضعفهم هذا، وهذا الجسم آخر من يدرك موت رأسه... رغم الشعور المتواصل بضعفها وهزال قدرتها على إدارة الحياة.
هذا الانفصال بين الرأس والجسم في التركيبات العربية، هو ما يسمونه في أدبيات السياسة «ثورة الجياع» وما يطلق عليه شعبيا «ثورة الغلابة..» وما يتجسد في الواقع من تحطيم الجسم للرأس...
وهذا بعض ما في جحيم ينتظره الجميع بمشاعر جمهور كلاسيكي.
... لا يعرف أحد في القاهرة صاحب دعوة «ثورة الغلابة..» في 11/11.
التفسير الاول للغموض يتجه بأنه «خدعة» من جهاز أمني، يحاول استكشاف التنظيمات التي تلعب في المنطقة المظلمة، وفي الوقت نفسه يمتص طاقة الغضب، أو يهدد بها حكم الرئيس السيسي (الذي يقال عنه ضمن ما يقال إنه تخلص من الحلفاء وأصبح يحكم وحده، وقريباً من أن يكون أسير مكتبه الرئاسي).
وهذا التفسير مفهوم في بلد عاش سنواته الاخيرة رهينة الاجهزة (الامنية طبعا)، لكنه ليس كافيا فيضاف اليه انها خطة إثارة تنظيم الإخوان لثورة جياع، استغلالا للأزمة الاقتصادية التي يدفع الفقراء النسبة الاكبر من تكلفتها.. (في تقرير للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، يتحمل الفقير بتنفيذ قانون ضريبة القيمة المضافة حوالي 6 في المئة من دخولهم بينما الاغنياء يدفعون 3 في المئة... تكريسا لغياب العدالة..)
... تكريس العدالة الغائبة في توزيع فاتورة الازمة يدفع بشكل ما وعلى مستوى خارج السيطرة الى انفصال كتلة «الغلابة» بغضبها وفصاحتها عن «رأس الحكم..» بما يمنح الدعوة معنى قد يتجاوز خطط «صاحب الدعوة الخفي..» وأهدافه.
تعيش مصر اقتصاد حروب «من دون حرب..»، وتتحدث التقارير عن أن الدولة أنفقت أكثر من 6 مليارات يورو في 2014 على التسليح واجهزة تنصت من شركات غربية، بينما وصلت ازمة السكر الى حدود عبثية (القبض على مواطن يحمل 10 أكياس سكر..) بالنسبة للمصريين الذين كانت حرب 1973 آخر عهدهم بالازمات التموينية وتلتها اختناقات موسمية، بينما الفزع من الازمة الحالية أعاد مشهد الطوابير والشعور بالخوف من اليوم الذي تغيب فيه الاحتياجات الاساسية.
في هذه الازمات يظهر «الغلبان الفصيح» الى العلن، وتنمو على الازمات أنواع من أثرياء «الحروب» الذين تنتفخ ثرواتهم في الازمات... ويصبحون سندا للأنظمة وعائقا لسياسات الخروج من الازمة نفسها..
والجديد في هذه الازمة ان «أثرياء الحروب /الازمات/الاستبداد» ليسوا فرادى فقط.. بل مؤسسات تكبر أرصدتها والمنتفعون منها بينما تصعب الحياة على الناس وكما قالت المرأة الفصيحة: «سنتحول جميعا الى حرامية نسرق من جيوب الآخرين.. لنعيش..»
وستتحكم غريزة التهام الثروات...
المال من دون أفكار ولا ثقافات ولا حتى شعارات ولا ادعاءات بالانتماء لقضايا أو هويات أو مشاريع خلاص... ستتحكم الوكالات التجارية في الصراع على الرئاسة في لبنان، كما سيصبح البحث عن بديل للبترول السعودي هو المحرك لدعم السيسي للصحراء على حساب علاقته بالمغرب، وليس بعيدا عن كل ذلك محاولات إقامة تكتلات جديدة قائمة على بيزنس ما بعد البترول مثل مشروع الحجاز - القدس الذي تتسرب ملامحه من دون تأكيدات ولا إعلانات...
المعركة اذاً على احتكار الضعفاء من بقايا «بيوت الحكم» لكتلة الثروة... بينما الرعب من انفجار ثورة «الغلابة» بعد سنوات من الترويض... وهذا ما يمكننا ان نرى من خلاله اللحظة الراهنة..
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك