جيدة ومنعشة تلك الشرشحة الدولية التي تلقتها روسيا في مجلس الأمن جراء ممارستها الاجرامية في سوريا عموماً وحلب خصوصاً.. وكان مفاجئاً ولافتاً بعض الكلام الاميركي تحديداً، الذي اندلق فجأة على الهواء مباشرة، والذي تبيّن منه إن إدارة مستر أوباما «تعرف» تماماً ما يحصل! وتعرف في الاجمال، أن خبرية «مكافحة الارهاب» التي أطلقتها ورعتها، كانت أفضل غطاء ممكن استخدمه الروس والايرانيون لمواصلة الفتك بالشعب السوري!
لكن (كبيرة!): مستوى ذلك الكلام الأميركي خصوصاً والغربي عموماً، ووضوحه ودقّة توصيفاته، وبلوغه (مع المندوب البريطاني) مستويات غير مألوفة في التخاطب الديبلوماسي، أنتج خلاصة لا يمكن فصيح أو حصيف أن يتجاهلها: كأن الدول الكبرى ما عادت تملك إزاء ما يفعله الروس، سوى الاستجداء المكشوف! وما عادت تملك من أسلحة مضادة سوى «صواريخ» الرجاء والتمني والمناشدة! وما عاد بإمكانها التحرك سوى على كراسي مجلس الأمن! وما عاد في مخزوناتها أي بديل، لا ميداني ولا عقابي، سوى الاعلام!
هناك شيء غير طبيعي وغير منطقي في الذي حصل في نيويورك ليلة السبت الماضي. والمقارنة تقرّب الصورة: هيئة ادعاء متمكنة من ملفّها واجهت المتهم بسيل من الأدلة الدامغة، لكن هذا خرج.. بريئاً! ولم ينل عقوبة أكثر من التقريظ! وشدّ الأذن! بل بدا الأمر فضائحياً بالكامل، عندما تحول ذلك المتهم الى ديّان! وراح يتفاخر بما فعله. غير آبه لا بهيئة المحكمة، ولا بفريق الادعاء، ولا بالمحلّفين ولا بالمحامين، ولا حتى بالحاجب أو بالشرطي الواقف قربه!
وإذا كان ذلك هو حال، أكبر الدول وأهمها وأخطرها، وحال المرجعية الأممية الوحيدة فوق هذه الأرض المعنية بضبط شطط أعضائها ولجم الحروب والاجرام ومنع أشباه هتلر وموسوليني وستالين وفرانكو وبول بوت من العودة الى إنزال البشرية الى الحضيض وتحويل العمران الى مقابر، فماذا يمكن أن يُقال إزاء الخزي الذي أظهره المندوب المصري؟ وكيف فوق ذلك وبعده يمكن تجاهل السؤال عن الضحية الثالثة، بعد أوكرانيا وسوريا، للزعيم الروسي الذي وصفته هيلاري كلينتون (بالمناسبة) بأنه «نازي صغير» غداة إعلانه ضم القرم!
الواقع يقول، بأن «قرار» مجلس الأمن ما كان ليوقف المذبحة السورية، وما كان ليعدّل شيئاً في أجندة الروس. وهو لم يفعل شيئاً موازياً في كل حال، إزاء معظم النزاعات المفتوحة برغم كثرة «قراراته». وإسرائيل أوضح مثال ممكن.. لكن تلك العراضة التي تفرّج عليها العالم، أكدت، بشكل ما، ان مصطلح «العجز الدولي» هذه المرّة، وأكثر من أي وقت مضى، هو تورية مكثفة لمصطلح آخر يقول بـ«العجز الأميركي» المتأتي عن سياسات مستر أوباما، و«شعوره» بأنه صار في حاجة الى المنظمة الدولية، كي تشاركه عبء العجز والتبعات!
ومع ذلك، فإن هناك ما يدعو، الى «الشك» بأن الادارة الأميركية تقترب غصباً عنها، وشيئاً فشيئاً، من نقطة اتخاذ قرار ما معاكس لتوجهاتها «السلمية» المألوفة. ولا يمكن تجاهل، ان خلية البحث في الخيارات الممكنة، التي بدأت عملها في الأسبوع الماضي، علّقت اجتماعاتها الى اليوم الاثنين بانتظار ما سيحصل في مجلس الأمن. بحيث أن مشروع القرار الفرنسي الذي سقط بالفيتو الروسي، كان ربما، أخر محاولة سياسية - ديبلوماسية لوقف ما يحصل في حلب، قبل الانتقال الى مستوى آخر(؟!).
والتوضيح واجب: هذه قراءة لا تستند الى أي إشارة من عند مستر أوباما، بل الى تصريحات ومواقف وزير خارجية بوتين، سيرغي لافروف نفسه، الذي قال بالأمس إن موسكو تعرف كيف تدافع عن «أصولها» في سوريا، لكنه حصر تلك «الأصول» بالقاعدتين العسكريتين الروسيتين (في حميميم واللاذقية)، ولم يقل الأمر نفسه عن قواعد ومطارات بقايا سلطة الرئيس السابق بشار الأسد؟!
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك