تفاقمت صعوبة مخاض انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، أمس، مع تزايد تأكيد لندن على تسريع إجراءات الطلاق وبحثها عن خطط لمواجهة تداعياته القاسية، في وقت شددت فيه أوروبا لهجتها في مواجهة ما اسمته بـ"المناورات" البريطانية ووصلت إلى حد تهديد الرئيس الفرنسي لبريطانيا بعواقب وخيمة.
أسقط المتعاملون الآسيويون الجنيه الإسترليني صباح أمس في حفرة عميقة، ودفعوه إلى الانخفاض بأكثر من 6 بالمئة، قبل أن يعود لاستعادة معظم تلك الخسائر في التعاملات الأوروبية، لكنه لا يزال عند أدنى مستوياته منذ 31 عاما.
وسجل الإسترليني تدهورا نادرا في أسواق آسيا حيث بدا السماسرة مرتبكين وتحدثوا عن أسباب فنية في ظل الخشية من انفصال قاس لبريطانيا عن الاتحاد الاوروبي، أججتها تصريحات للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند.
وانحدر الجنيه إلى مستويات لم يشهدها منذ عام 1985 في بداية التعاملات في طوكيو ليقترب من حاجز 1.18 دولار بانخفاض نسبته 6.1 بالمئة، ويفسر ذلك مخاوف الاقتصادات الآسيوية وخاصة الصين واليابان من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وكانت وزارة الخارجية اليابانية قد نشرت تقريرا خلال اجتماعات الدول الصناعية مطلع الشهر الماضي، أشارت فيه إلى أن الشركات اليابانية العاملة ستسحب استثماراتها من بريطانيا، إذا فقدت حق الوصول الحر إلى الأسواق الأوروبية.
وشهد الجنيه تدهورا مماثلا أمام اليورو ليصل إلى حاجز 1.10 يورو، في وقت لم يستبعد فيه المحللون أن تصل العملتان إلى نقطة التعادل إذا استمرت إجراءات الطلاق القاسية.
وأعلن بنك انكلترا (البنك المركزي البريطاني) أنه يدرس تلك الهزة العنيفة التي أصابت الإسترليني، الذي لم يتعرض لأي هزة منذ الإعلان عن اختيار البريطانيين الخروج من الاتحاد الاوروبي في 23 يونيو، باستثناء الانخفاض الحاد بعد إعلان نتائج التصويت حين فقد نحو 15 بالمئة من قيمته.
وانتقلت عدوى الريبة إلى الديون البريطانية حيث يبيع المستثمرون سنداتهم متسببين بزيادة تكلفة اقتراض الحكومة البريطانية. ويفسر المتعاملون ارتفاع الأسهم البريطانية، أمس، بمحاولة تعويض الخسائر الكبيرة غير المباشرة الناجمة عن تراجع الإسترليني.
وتأتي الضغوط الكبيرة التي تعرضت لها العملة البريطانية هذا الأسبوع، بعد إعلان رئيسة الوزراء تيريزا ماي عن عزمها البدء بإجراءات الانفصال عن الاتحاد الأوروبي بحلول نهاية مارس المقبل.
وقال سايمون سميث المحلل لدى أف.اكس برو، إن "التدهور الخاطف للجنيه هو نقطة النقاش الرئيسية في الأسواق، رغم أن السبب الحقيقي لهذا الانخفاض السريع ليس واضحا".
وتفاقمت مخاوف الأسواق حين دعا الرئيس الفرنسي مساء الخميس إلى "الحزم" حيال لندن في المفاوضات المقبلة. وقال إنه "يجب أن يكون هناك تهديد، يجب أن تكون هناك مخاطر، يجب أن يكون هناك ثمن تدفعه بريطانيا".
وأضاف أن "بريطانيا اختارت بريكست، أعتقد أنه بريكست قاس إذن… علينا المضي إلى النهاية في تحقيق رغبة البريطانيين في الخروج من الاتحاد الاوروبي".
وقال جيفري هالي المحلل لدى مؤسسة أواندا إن "وسائل الإعلام تناقلت تلك التصريحات خلال فترة ضبابية ما بين إغلاق نيويورك وفتح أسواق ىسيا، في وقت تكون فيه السيولة دائما محدودة".
وسواء كان السبب فنيا أم لا، ينظر البعض إلى هذا التدهور باعتباره محتوما بعد أن بات الطلاق الاقتصادي يرتسم بوضوح مع بروكسل والذي سينعكس سلبا على أوساط الأعمال مع إمكان حرمان بريطانيا الدخول الى السوق المشتركة.
وقال يوسوكي هوسوكاوا من بنك سوميتومو ميتسوي تراست "كان حدوث مثل هذا التدهور الكبير مسألة وقت ليس إلا".
وأضاف "تراكمت العناصر السلبية حتى انهار السد. لم نشهد بعد الأسوأ، بعد الآن قد نشهد تحطيم الرقم القياسي المسجل خلال 31 سنة" أمام الدولار.
ولكننا لا نزال مع ذلك بعيدين عنه فالجنيه انخفض الى 1,05 دولار في مطلع 1985 عندما ارتفع الدولار مدفوعا بسياسة ريغان الاقتصادية القائمة على الخفض الضريبي وخفض الضوابط وتقليص الإنفاق بهدف خفض التضخم.
ويرى محللون أن تيريزا ماي لا يمكنها حتى الآن سوى الحديث عن الانفصال لأن التشكيك في ذلك يمكن أن يؤدي إلى انتحار سياسي في ظل عدم استعداد البريطانيين حتى الآن للتفكير في إيجاد مخرج من ورطة نتائج الاستفتاء. ومنذ بداية مؤتمر حزب المحافظين الأحد الماضي كثفت ماي وكذلك وزراء حكومتها الوعود لأنصارهم بخروج واضح وتام من الاتحاد الاوروبي مشيرين إلى أفق خروج قاس لا تنازلات فيه.
وكشف وزير الداخلية امبير رود عن خطة لتشجيع المؤسسات على نشر لائحة بموظفيها من غير البريطانيين وتفضيل العمالة الوطنية بهدف تقليص عدد المهاجرين من 330 ألفا سنويا الآن إلى 100 الف سنويا.
وأكدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على هذا الشرط الذي لا غنى عنه. وقالت "إذا لم نعلن ان الدخول الكامل للسوق الأوروبية رهن حرية الحركة الكاملة، فإننا نكون بذلك قد أطلقنا حركة ستنتشر في كل أوروبا حيث سيفعل كل واحد ما يحلو له".
ويؤكد ذلك بوضوح أن بريطانيا لا يمكنها أن تقيد حرية حركة وحقوق مواطني دول الاتحاد الأوروبي على أراضيها إذا أرادت الحفاظ على الدخول إلى السوق المشتركة.
ويخشى القادة الاوروبيون على ما يبدو أن تنخرط الاوساط الاقتصادية في مفاوضات موازية، مع ما يحمله ذلك من مخاطر اضعاف موقف بروكسل.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك