يتأنى زعيم تيار "المستقبل" الرئيس سعد الحريري في حسم موقفه من الخيارات المطروحة لإنهاء الشغور في رئاسة الجمهورية اللبنانية في اتجاه تبني ترشيح رئيس "تكتل التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون، وهو في قراره هذا فاجأ الذين كانوا يراهنون على دعم ترشيح الأخير في بيان يصدر عن اجتماع كتلته النيابية الذي رأسه مساء أول من أمس.
ويعود تأني الحريري في حسم موقفه إلى جملة من الاعتبارات أبرزها أنه لا يزال يتواصل مع الأطراف المحليين المعنيين بإنجاز الاستحقاق الرئاسي، وبالتالي ليس في وارد، كما يقول عدد من النواب في "المستقبل"، حرق المراحل قبل أن يستكمل جولة المشاورات التي يقوم بها.
ويؤكد هؤلاء النواب لـ"الحياة"، أن الحريري كان صريحاً أمام أعضاء كتلته النيابية بأنه لم يحسم خياره طالما أنه لم يستكمل مشاوراته المحلية، وأن التنبه وعدم التسرع في اتخاذ القرار أمر ضروري، لأن هناك مشاورات سيجريها في السعودية وفرنسا، وربما مصر وتركيا، ولن يتفرد في قراره من دون العودة إلى بعض حلفائه وكتلته النيابية واستمزاج شارعه.
ويقول هؤلاء النواب إن الحريري استنتج من خلال زيارته موسكو واجتماعه مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن لا موقف لروسيا من الاستحقاق الرئاسي سوى أنها تدعم الجهود الرامية لإنهاء الشغور بانتخاب رئيس جديد.
ويفهم من كلام الرئيس الحريري -وفق تفسير النواب إياه-، أن روسيا تركز حالياً على الوضع في سوريا، وهي تقوم بتجميع أوراقها السياسية والعسكرية ليكون لها موقع مهم في المفاوضات في حال تقرر تسريعها للوصول إلى تسوية سياسية تنهي الحرب الدائرة فيها. كما يُفهم أيضاً أن روسيا تستغل إلى أقصى الحدود انشغال الولايات المتحدة الأميركية بانتخاباتها الرئاسية، فلا تلتفت كما يجب إلى الحرب التدميرية التي تستهدف مدينة حلب العاصمة الثانية لسوريا، إضافة إلى أن لا رابط بين زيارته موسكو وبين تصعيد النظام في سوريا، بدعم روسي مباشر، وأطراف آخرين كإيران و"حزب الله"، حربه ضد حلب.
صفر اليدين
وبكلام آخر، يرى النواب أن من غير الجائز تحميل زيارة الحريري أي أبعاد، لأنها كانت مقررة سابقاً، وقبل الحرب التدميرية التي تستهدف حلب، وبالتالي أراد منها لفت الأنظار إلى ضرورة انتخاب رئيس جديد، لما لموسكو من تأثير في الملف اللبناني، لا سيما أن "المستقبل" كان دان هذه الحرب. ويمكن القول، وفق مصادر سياسية مواكبة لموقف إيران من الاستحقاق الرئاسي، إن موقف طهران يتطابق كلياً مع الموقف الروسي، وهذا ما لمسته الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ، في زيارتها الأخيرة للعاصمة الإيرانية.
وكشفت المصادر نفسها أن كاغ سمعت من المسؤولين الإيرانيين الذين التقتهم، تكراراً لموقفهم السابق، وفيه أنهم لا يتدخلون في الانتخابات الرئاسية في لبنان باعتبار أنه شأن محلي يعود للأطراف في الداخل القرار النهائي فيه، وأن طهران تدعم أي توافق في هذا الخصوص.
وأكدت المصادر عينها أن المسؤولين الإيرانيين لم يدخلوا في التفاصيل، وتجنبوا ذكر أي اسم من المرشحين. وقالت إن كاغ لم تأخذ على عاتقها التوقف أمام أي اسم لئلا يتكون انطباع لدى القيادة الإيرانية بأن الأمم المتحدة منحازة لهذا المرشح أو ذاك، وإنها حرصت في محادثاتها على ضرورة قيام طهران بدور في تسهيل انتخاب الرئيس، لما لها من ثقل سياسي في لبنان، سواء من خلال "حزب الله" أو أطراف آخرين.
وهكذا، عادت كاغ من طهران صفر اليدين من دون أن تلتقط أي إشارة من المسؤولين الإيرانيين يمكن التأسيس عليها إلى أنهم يميلون للعب أي دور غير دورهم التقليدي في شأن ملء الشغور الرئاسي، وبالتالي فإن حصر محادثاتها في تطبيق القرار الدولي 1701 هو دليل على أن اهتمام طهران في مكان آخر، وأن عينها على الحرب الدائرة في سورية.
وفي هذا السياق، قالت مصادر أخرى إن روسيا كانت تعهدت التحرك لدى طهران لإقناعها ببذل جهودها لتسهيل انتخاب زعيم تيار "المردة" سليمان فرنجية، لكن الأخير لا يزال ينتظر جواباً من موسكو قد لا يصله، على الأقل في المدى المنظور.
وعلمت "الحياة" من مصادر نيابية في "المستقبل" أن هناك أكثر من ضرورة لترميم الكتلة من الداخل لتستعيد تماسكها ودورها الفاعل في الحياة السياسية، وهذا يستدعي خروجها من حصر موقفها برد الفعل بدلاً من أن تقول ماذا تريد لتكون موضع استقطاب وحجر الزاوية في إعادة تأهيل اللعبة الديموقراطية، بدءاً بالإفراج عن الاستحقاق الرئاسي.
واستغربت المصادر ما أخذ يروج له بعض الأطراف، من أن الكتلة منشطرة إلى شطرين، أحدهما مؤيد للرئيس الحريري والآخر داعم لرئيسها الرئيس فؤاد السنيورة. وقالت إن مثل هذا الترويج لا يعكس واقع الحال في داخلها، الذي يتطلب تضافر الجهود لإخراجها من الإرباك الذي تعاني منه الآن وتقديمها إلى جمهورها متماسكة في الموقف وداعمة للخيارات المدروسة لإنهاء الشغور، لا سيما أن المسؤولية لا تقع على عاتقها وإنما أيضاً على الآخرين، مع أن الحريري هو من بادر ويبادر إلى إطلاق المبادرات للإسراع في انتخاب الرئيس، في مقابل مقاطعة "حزب الله" وحليفه العماد عون جلسات الانتخاب، على رغم أن الأخير سُحب اسمه من التداول في البيانات الصادرة عن "المستقبل"، ما اعتُبر إفساحاً في المجال أمام مواصلة الانفتاح "المستقبلي" على عون.
ورأت المصادر نفسها أن كتلة "المستقبل" ليست حزباً، وأن التشاور بين نوابها أمر ضروري، لأن الاختلاف في الرأي يشجع على فتح حوار بلا كفوف يتيح لكل نائب أن يبدي رأيه على قاعدة أنه يدعم تحرك الحريري، لكن القرار سيخضع لمشورة الجميع وهذا ما يريده زعيم "المستقبل" الذي يتهيب أي قرار سيتخذه.
وكشفت أن الحريري ارتأى أن يشرك كتلته في المشاورات التي يجريها لتكون موازية لتلك التي يقوم بها حالياً في الداخل أو التي يستعد لتكون حاضرة في لقاءاته الخارجية. وقالت إنه أعد خريطة طريق لهذه المشاورات التي سيجريها على دفعات مع النواب الذين سيتوزعون على مجموعات يلتقيها تباعاً، آخذاً في الاعتبار أن هناك ضرورة لتفعيلها بحيث تضم كل مجموعة أكثر من رأي، رغبة منه بتلوين الآراء ليكون على بينة عندما يحسم خياره الرئاسي، وإن كان يود أن يأخذ وقته، لأنه ليس محشوراً في الزاوية، لأن الآخرين يتصرفون وكأن الضغط الشعبي لا يشملهم وأن لا داعي للعجلة، باعتبار أنهم مرتاحون على وضعهم.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك