تبدأ مع الاستشارات النيابية التي يباشرها اليوم رئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي في مبنى مجلس النواب، مرحلة يكتنفها الغموض عبّر عنها كثر في فريقي 8 آذار و14 آذار، من حيث كونها صفحة تطوي ما قبلها لترتسم عبرها ملامح الحكومة الجديدة والمسار الذي سيسلكه مجمل الوضع الداخلي في ظلها.
ومع ان اللقاء الخاطف الذي جمع امس في بيت الوسط، للمرة الاولى بعد تكليف ميقاتي، رئيس الحكومة المكلّف ورئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري، اختصر بوجومه الظاهر وبمدته السريعة ثلاث دقائق فقط، ذيول التطورات الاخيرة وتداعياتها ومضاعفاتها، وخصوصاً على مستوى الطائفة السنية، فإن الاوساط المواكبة للمشاورات الداخلية قالت ليلاً لـ"النهار" ان بداية الاستشارات النيابية اليوم ستشهد "عودة السياسة من بابها العريض ولكن هذه المرة على اساس أبيض على أسود، بمعنى انعدام اللون الرمادي". واوضحت ان ذلك يعني ان الاستشارات ستستعيد أدبيات كل فريق ولكن مع فارق جوهري سيجد الرئيس المكلف نفسه في مواجهته، هو ان كل مشاريع التسويات التي سبق طرحها قبل اسقاط الحكومة الحريرية وتكليف ميقاتي باتت صفحة مطوية، وسيعمد كل فريق في ضوء ذلك الى طرح مواقفه الخاصة والجامدة عبر موقفه من مشروع تشكيل الحكومة الجديدة.
وحتى ليل امس لم يكن ثمة اي مؤشر يوحي بامكان تغيير فريق 14 آذار موقفه المعارض لدخول الحكومة الجديدة. وقالت الاوساط نفسها ان هذا الامر طرح في مشاورات اجريت داخل هذا الفريق، وان الموقف الرسمي من الحكومة الجديدة سيتحدد في ضوء ما سيسمعه اطرافه من الرئيس المكلّف عن الحكومة وتصوره لحجمها وطبيعتها ومهمتها والتزاماتها والتمثيل فيها.
وسألت "النهار" الرئيس ميقاتي عن تصوره لشكل الحكومة الجديدة وعما اذا كان يعتزم تأليف حكومة تكنوقراط، فأجاب: "كل شيء سيكون في ضوء الاستشارات مع الكتل النيابية"، مبدياً ارتياحه الى "اجواء التشاور المستمرة مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان".
ولم يشأ رداً على سؤال آخر استباق الاستشارات وتحديد شكل الحكومة او الموعد المبدئي لتأليفها، لكنه أبدى في الوقت عينه "ارتياحه الى الاجواء بشكل عام". ووصف في مجال آخر الاجواء الاقليمية والدولية حيال مهمته بأنها "جيدة جداً".
وعلم في هذا السياق ان ميقاتي بدأ منذ تكليفه جملة اتصالات بعيداً من الاضواء تمهيداً للاستشارات التي سيجريها اليوم وغداً، كما تلقى اتصالات حرص على ابقاء بعضها خارج الاعلام، علماً انه انصرف بعد جولته على رؤساء الحكومة السابقين امس الى استقبال وفود المهنئين في دارته بفردان.
وفي رد اول له على المواقف الاميركية، ولا سيما منها تصريح وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون بأن تأثير "حزب الله" على الحكومة اللبنانية الجديدة سيؤدي الى تغيير طبيعة العلاقات بين البلدين، أكد ميقاتي في مقابلة مع شبكة "سي ان ان" الاميركية للتلفزيون أمس حرصه الشديد على ان يكون بين لبنان والولايات المتحدة أفضل العلاقات، مشددا على ان الهدف الرئيسي لحكومته هو ان تحافظ على ان يكون لها علاقة طيبة مع المجتمع الدولي. وقال انه يسعى الى التعاون مع كل الاحزاب السياسية اللبنانية لان ذلك يصب في مصلحة لبنان للمضي قدما وانهاء الازمة السياسية التي تواجهها البلاد. وإذ رحب بمشاركة قوى 14 آذار والرئيس الحريري في حكومته، أضاف انه اذا رفض الحريري المشاركة فإنه سيلجأ الى تأليف حكومة تكنوقراط او مزيج بين السياسيين والتكنوقراط. وفي ما يتعلق بقضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري قال ميقاتي انها قضية حساسة للغاية يجب حلها من طريق الحوار واجماع اللبنانيين.
ويشار الى ان رئيس "كتلة المستقبل" النيابية الرئيس فؤاد السنيورة، حدّد عقب استقباله ميقاتي امس موقف الكتلة، إذ صرح بأنه "لا يمكن ميقاتي ان يقول من موقعه الآن انه في موقع وسطي فعلا، أنه مرشح ومؤيد من حزب الله". وعن المشاركة في الحكومة قال: "هذا الموضوع سيصار الى متابعة النظر فيه واتخاذ القرار الملائم في الوقت المناسب".
وأفاد ميقاتي في حديث ليلا الى محطة "أو تي في"، ان لقاءه الرئيس الحريري "كان بروتوكوليا عاديا لم يتم خلاله التطرق الى السياسة والمشاركة في الحكومة، على عكس اللقاء مع الرئيس السنيورة". وقال إن "شكل الحكومة سابق لأوانه، ويتحدد في ضوء الاستشارات وإن حكومة التكنوقراط هي أحد الخيارات، لكنها ليست الخيار الوحيد. وأكد أنه لن يلزم نفسه وقتا للتأليف، وأنه "يرحب دوما بشعار لا غالب ولا مغلوب فكلنا محكومون بالوفاق ولماذا نضيع الوقت".
وقالت مصادر نيابية مطلعة لـ"النهار" ان المشاورات التي أجريت في اليومين الاخيرين كشفت عدم وجود مشروع او تصور ناجز حتى الآن لشكل الحكومة وتركيبتها المحتملة، وذلك في انتظار بلورة أمرين أساسيين يواجههما الرئيس المكلف: الاول الموقف النهائي لقوى 14 آذار التي ستربطه بالقضية الأم الاساسية وهي موقف الحكومة العتيدة من المحكمة الخاصة بلبنان وعلى أساسه تحدد موقفها، والثاني مدى المرونة التي سيتركها مؤيدو ميقاتي من قوى 8 آذار للرئيس المكلف في معالجة عقد الاستيزار والحصص وتوزيعها اذا لجأ الى خيار المزج بين التكنوقراط والسياسيين.
وعكس زوار الرئيس سليمان امس ارتياحه الى "العلاقة الممتازة" التي تربطه بميقاتي، والتي وصفوها بأنها "علاقة صداقة ونهج قد تساعدهما في التعاون والعمل معا لما فيه مصلحة البلد واعادة الحياة الى السلطة التنفيذية والاهتمام بقضايا الناس وشؤونهم". وأضافوا ان سليمان وميقاتي "جديان في ارادة التعاون مع كل القوى السياسية في حكومة تضم كل القوى الموجودة على الساحة السياسية، وأن الاولوية لهذا الخيار، ولكن اذا رفض فريق 14 آذار المشاركة فان الخيار قد يتحول في اتجاه حكومة مختلطة قد تكون سياسية مطعمة بتكنوقراط. وهذه الخيارات قد تتبلور بعد الانتهاء من الاستشارات النيابية التي سيجريها الرئيس المكلف وبعد درسها مع رئيس الجمهورية ليبنى على الشيء مقتضاه".
في المقابل اتخذت الامانة العامة لقوى 14 آذار موقفا متشددا من التطورات الاخيرة، فأعلنت انه "لا يمكن قوى 14 آذار المشاركة في هذه الحكومة بعدما نفذ حزب الله مستقويا بسلاحه انقلابا موصوفا". وأعلنت "انطلاق المرحلة بعنوانين رئيسيين: دعم المحكمة الدولية ونزع السلاح من طول البلاد وعرضها، داعية الى تجمع سلمي كل مساء حول ضريح الرئيس رفيق الحريري. وكانت البلاد استعادت أمس أجواء الهدوء بعد "يوم الغضب" الذي نفذ الثلثاء وتخللته أعمال شغب.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك