ليس أخطر من التحديات أمام لبنان سوى مواجهتها بمنظومة متكاملة من سوء السياسات وسوء القراءات في وضعنا والأوضاع المتغيّرة من حولنا. فما يقابل المنسوب المرتفع في ميزان القلق هو انخفاض القدرة على التطمين بالتدبير والتقرير. وما يرافق ترداد المثل القائل: (عند تغيير الدول إحفظ رأسك) هو هدم السقف والوقوف برأس لبنان المكشوف أمام العواصف.
وليس أمرا عابرا ان يصبح التعثر في تأليف الحكومات مسألة عادية. فالسوابق في التعثر، منذ اتفاق الدوحة، ليست مجرد حجة للتبرير بمقدار ما هي اشارة الى اننا في أزمة حكم وربما أزمة كيان. والمشكلة في عملية التأليف التي دخلت شهرها الرابع تتجاوز التعثر الى الشعور بان الحكومة هي المشكلة. والمشكلة الأكبر ان تصبح اللاحكومة هي الحل في بعض الحسابات.
ذلك ان لبنان، قبل الطائف وبعده، لم يشهد مرحلة بلغ فيها (الانفصام) بين الخطاب السياسي والواقع العملي ما نراه في المرحلة الحالية. فالخطاب السياسي للجميع يقرع جرس الانذار من التأخّر في مواجهة أمرين ملحين: المخاطر الأمنية على البلد، والمخاوف من التدهور السياسي والتلاعب به. واستحقاق الحاجات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والادارية للوطن والمواطن. والواقع العملي هو حراسة الأزمة واستسهال الفراغ الحكومي. فما لا نزال نسمعه منذ أسابيع بالنسبة الى تأليف الحكومة هو على طريق اعلانات اللوتو: (اذا مش الاثنين، الخميس).
والأيام تمر من دون تأليف، بحيث يجد (متعهد) التفاؤل الرئيس نبيه بري نفسه يطلب (صلاة استسقاء) وأحياناً (صلاة الميت) على الحكومة.
وليس من المعقول أن تكون هذه المخاطر والمخاوف والحاجات أسيرة الصراع على وزارة الداخلية. ولا أحد يصدق أن اللبنانيين ضحية حقيبة الداخلية في وقت يعرف الجميع، وإن لم يعترف البعض، أنه ليس في لبنان (داخل) بمقدار ما هو مفتوح على (خارج) يتعدد لاعبوه وتتنوع اللعبة فيه وبه. والمفارقة هي إصرار التركيبة السياسية على الحديث عن الحسابات الاستراتيجية والتحالفات الإقليمية والدولية، واندفاعها في الحسابات الضيقة والحساسيات الشخصية بما يقود الى التعطيل المتبادل.
واللعبة تتخطى الانتقال من موقف الى آخر نقيض له حسب المواقع والمصالح. فالديمقراطية التوافقية كانت تجربة فاشلة، بعد التنظير لها كمعيار وحيد للسلطة الى أن ينتهي النظام الطائفي. لكن تجربة الأكثرية ليست أقل فشلاً حتى قبل أن تبدأ. فكيف بعد تأليف الحكومة والوصول الى القرارات المطلوبة؟ وكيف اذا كان الإصرار على القرارات لدى البعض يقابله الخوف لدى البعض الآخر من انعكاساتها الداخلية والخارجية.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك