هل بات السلام مع اسرائيل اقرب بفعل التغييرات التي تعصف بدول المنطقة، أم بات أبعد بحيث تصبح المواجهة العسكرية هي الحل الذي يحسم الصراع المزمن بين اسرائيل والعرب والفلسطينيين إذا لم تستوعب اسرائيل حقيقة هذه التغييرات فتجنح الى السلام؟
في أحاديث صحافية لسياسيين اسرائيليين يقولون فيها إن الاحداث الجارية في المنطقة العربية هي الأكثر درامية، والتي لم يتنبأ بها أحد، وانه كان على اسرائيل ان تحرك خلال السنتين الأخيرتين مسار التفاوض مع الفلسطينيين في وقت كانت المنطقة مستقرة والآن أصبحت غير مستقرة وقد تواجه خطر تدهور كبير، لكن الوقت لم يفت بعد لفعل ذلك، وعلى حكومة بنيامين نتنياهو طرح خطة عملية تكون مقبولة وتحمل تسوية مع الدولة الفلسطينية، أي دولة فلسطينية في الضفة الغربية ثم ربط قطاع غزة بها شرط أن يكون قانون واحد وسلطة واحدة وسلاح واحد. لكن الغالبية في الحكومة الاسرائيلية لا تؤمن بذلك وان سياستها تنطوي على خطأ استراتيجي لا يؤدي الى تحقيق تسوية مع الفلسطينيين بل تقرب الحرب.
ويرى هؤلاء السياسيون انه اذا اتسع نطاق الانتفاضات العربية، فإن احتمالات التوصل الى سلام ستضعف، وكان ينبغي استباقها لتحقيق هذا السلام. لكن الرئيس الفلسطيني محمود عباس لم يكن في وضع سياسي داخلي يؤهله لطرح اتفاق تسوية لأن حركة "حماس" ليست معه، فضلاً عن مصاعب أخرى منها الشعور بأن حكومة ايهود أولمرت السابقة قد لا تستطيع تطبيقه، وربما كان مخطئاً في اعتقاده هذا كما هو اليوم مخطئ ايضاً بوضعه شرط تجميد البناء الاستيطاني لمعاودة المفاوضات، اذ انه لم يسبق ان وُضع شرط كهذا في المفاوضات، فكانت النتيجة ان البناء الاستيطاني استمر ثم جاءت التغييرات في العالم العربي، وان اسرائيل ترتكب خطأً إذا قررت الانتظار حتى تنتهي عملية التغيير هذه، خصوصاً إذا لم تنته في وقت قريب واستغرق ذلك خمس او عشر سنين حتى تنضج معالم التغيير، وهذا الانتظار الطويل لن يكون في مصلحة اسرائيل ولا في مصلحة الفلسطينيين.
لذلك على حكومة نتنياهو ان تطرح خطة عملية للتسوية مع الفلسطينيين، خطة واقعية للأوضاع في المنطقة. ولكن لا توجد اليوم ثقة ولا نضج ولا قيادة تبدو في وضع مؤهل للتوصل الى اتفاق تسوية دائمة، وحتى لو توافرت هذه القيادة، فان الأوضاع لا تسمح إذ كيف يمكن منظمة التحرير الفلسطينية ان توقع اتفاقاً وهي لا تستطيع الوصول الى قطاع غزة... وكيف تتجه اسرائيل الى تسوية دائمة ولديها بين 60 و70 ألف يهودي في قلب الضفة الغربية تحتاج الى اخلائهم وتوطينهم في مناطق أخرى؟ وإذا كان الاخلاء سيتم بالقوة، فلا توجد في اسرائيل حكومة تستطيع فعل ذلك، فالأمر إذا يحتاج الى وقت، إلا إذا صار اتفاق على تطبيق الأمور التي يتم التوصل الى اتفاق في شأنها وليس انتظار التوصل الى اتفاق على كل شيء.
وعلى الفلسطينيين الذين يتحفّظون عن التسويات المرحلية لأنهم يخشون ان يصبح الأمر الموقت دائماً، ان تُعطى لهم ضمانات مع تحديد برنامج زمني للتسوية الكاملة والدائمة كي تتم العودة الى المفاوضات المباشرة والجادة حول قضايا أساسية في هذه التسوية قبل الحدود والأمن. لكن الجانب الفلسطيني يرى أن يتم التفاوض على أساس حدود 1967 مع تعديلات حدودية تقدّر بمساحة 7 في المئة من الضفة الغربية على أن تعطى اسرائيل تعويضاً عنها أي دونما مقابل دونم واحد من مساحة اسرائيل في حدود الهدنة لسنة 1949 بحيث تقوم الدولة الفلسطينية على مساحة 5258 كيلومتراً مربعاً، في حين أن اسرائيل لا تقبل نقل مواطنين اسرائيليين عرباً ويهوداً الى تخوم الدولة الفلسطينية العتيدة لوضع بلدات المثلث العربية تحت السيادة الفلسطينية، عدا أن هذا الأمر غير عملي، فلا العرب يريدونه ولا اسرائيل تستطيع تنفيذه. فالعرب يتمسكون بمواطنتهم الاسرائيلية، واسرائيل دولة ديموقراطية لا تستطيع ترحيل مواطنين الى الخارج بالقوة. ويحدّد الدعوات الى مرحلة انتقالية للتسوية الدائمة فترة 4 الى 6 سنوات، لأن موضوع القدس معقد، والتوصل الى تسوية له يتطلب وقتاً خصوصاً مع انعدام الثقة وعدم استعداد الطرفين للحلول الوسط في القضايا الأساسية.
الى ذلك، فان كثيرين من الاسرئيليين يشعرون بالقلق حيال التغييرات في العالم العربي، ويخشون ان تذهب المنطقة نحو المواجهة العسكرية إذا لم تذهب نحو السلام الشامل والعادل، وكثر من الفلسطينيين والعرب يشعرون بالقلق أيضاً وهو ان يؤدي التغيير في المنطقة الى فوضى طويلة الأمد قبل ان تستقر أو الى التفكك، وان تغيير مصير عدد من الدول في المنطقة قد يجعل الآمال في اعتراف الجمعية العمومية للأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية في ايلول المقبل تتضاءل.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك