اجمل ما في الثورات التي تجتاح العالم العربي انها حطمت صورة اسرائيل باعتبارها الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط، حسب اللازمة التي كان الغرب يرددها دائما من اجل ان يهين العرب ويحط من قدرهم.. وظل الاسرائيليون يفاخرون بها ويستخدمونها حجة لتفادي تسوية الصراع وحل القضية الفلسطينية.
واهم ما في تلك الثورات انها اثبتت ان العرب يؤسسون لنهوض جدي في دولهم ومجتمعاتهم التي تنتمي في معظمها الى ثقافة القرن التاسع عشر، بعكس الاسرائيليين الذين يقدمون هذه الأيام البرهان على انهم يتجهون نحو انحطاط فعلي لدولتهم ومجتمعهم، اللذين بلغا ذروة التطور والتحديث في العقدين الماضيين.
والمقارنة بين ما يجري في تونس ومصر وغيرهما من البلدان العربية التي تكافح شعوبها من أجل الحداثة والديموقراطية، وبين ما يجري في إسرائيل من ارتداد عن المشروع الصهيوني (القومي والعلماني) الى الدولة الدينية والفاشية، لا يدع مجالاً للشك في أن انقلاباً كاملاً حصل في مسار التجربتين العربية والإسرائيلية، وتبادل العربي والاسرائيلي الادوار التي كانت موزعة في النصف الاول من القرن الماضي والتي أنتجت من جهة دولاً عربية هي اقرب الى دول عصابات ومافيات، والتي ارست من جهة اخرى دولة يهودية عصرية على اطلال الميليشيات والعصابات الصهيونية.
العرب يبنون دولهم الوطنية التي تسلموها خراباً من المستعمر الاوروبي فأمعنوا في تخريبها، والاسرائيليون يهدمون دولتهم التي تركها لهم ذلك المستعمر، باعتبارها معجزة الشرق الاوسط.. التي فقدت منذ ان انفجرت الثورات العربية الكثير من عناصر تفوقها وتميزها، وتضاءلت امام الثورة المصرية تحديداً، الى دولة متواضعة لا تملك من اسباب الخصوصية سوى قوتها العسكرية الهائلة، التي يمكن أن تصبح غير ذات جدوى اذا نجح العرب في إنتاج دول متقدمة وناجحة، تجتذب الغرب أكثر مما تجتذبه دولة اصولية يهودية يحكمها متطرفون دينيون او حتى متشددون قوميون يفقدون صلتهم مع الثقافة الغربية المعاصرة.. ويقاتلون بشراسة لا مثيل لها طلب الحلفاء الغربيين التقليديين منح الشعب الفلسطيني بعض حقوقه الوطنية، لتفادي غضبه وغضب بقية الشعوب العربية التي ما إن تستكمل بناء دولها فإنها ستصرخ في وجه ذلك الظلم التاريخي اللاحق بالفلسطينيين.
التجربة العربية ما زالت في بدايات صعودها، وهي يمكن أن تنتج خلال عقد من الزمن نماذج متقدّمة تجعل إسرائيل دولة مثيرة للسخرية والازدراء. والتجربة الإسرائيلية ما زالت في بدايات انحدارها، وهي بلا شك يمكن، خلال سنوات او حتى أشهر، أن تقود مجنوناً مثل وزير الخارجية وزعيم حزب «اسرائيل بيتنا» افيغدور ليبرمان الى قمة السلطة. والدليل موجود في استطلاع الرأي الذي نشرته قبل يومين صحيفة «هآرتس».
التناقض بين التجربتين ظاهر وواضح. لكن الصراع بينهما ليس محتماً. فالعرب يتصالحون مع الغرب وقيمه، والاسرائيليون يتخاصمون معه، ويتحوّلون يوماً بعد يوم من معجزة غربية الى معضلة غربية.. قد تستدعي في المستقبل القريب تدخلاً حاسماً لتغيير وظيفة الدولة اليهودية ووجهتها العامة، بما يتلاءم مع المعجزة العربية الجديدة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك