لم يجد مدّ التغيير العربي بكل عصفه حتى اليوم طريقاً الى تغيير مجرد نمط مستحكم بقوى 8 آذار منذ نشأتها جملة وتفصيلاً. ولعل المفارقة أن هذه القوى لا تزال تستعير نمط "المنظومة" نفسه المستولد من زمن الوصاية السورية في حين يصارع النظام السوري نفسه خطراً مصيرياً عليه من جراء هذه النمطية.
لقد كان أمراً بديهياً أن تطلق 8 آذار منظومة هجائية على الرئيس سعد الحريري لهجومه على إيران، ولا داعي لتسويغ الدوافع المعلومة. أما أن يختفي أي صوت لديها عن الخطر المحدق باللبنانيين في البحرين والدول الخليجية قاطبة، وقد بدأت طلائع الإبعاد تنذر بالأفدح، فهو ما يتعين على "السلطة" الجديدة المتأهبة لحكم لبنان أن تجيب عليه طوعاً أو إكراهاً.
وبمثل ما لام السيد حسن نصر الله الرئيس الحريري لأنه هاجم إيران وهو لا يزال رئيس حكومة تصريف الأعمال، يتعين على "حزب الله" قاطرة قوى 8 آذار المتأهبة لحكم لبنان وسائر هذه القوى أن تعلن جهاراً "برنامجهاً" لحماية مئات ألوف اللبنانيين المنتشرين في الخليج في معزل عن موقفها من 14 آذار والرئيس الحريري.
لنقل ان الرئيس الحريري قرر أن يقلب الآية ويذيق قوى 8 آذار طعم ما أذاقته إياه من مرّ المعارضة النكدية، وهذه قواعد اللعبة المتقلبة. فما الذي أعدته القوى الحاكمة الجديدة في القضايا "السوبرسيادية"؟ ما رأيها مثلاً في موقع لبنان من الأزمة السورية المصيرية؟ لقد كان أقطاب هذه القوى سباقين على نحو مذهل في تأييد خطاب الرئيس بشار الأسد على رغم "إجماع" سائر الآخرين في لبنان والعالم بأنه كان خطاباً مخيباً. فما دام "التدخل" في الشؤون السورية مباحاً في تأييد الخطاب، لماذا هذا الصمت الواجم لاحقاً عن مفاعيله السلبية؟ وهل تأييد الشعوب وثوراتها يصح في دول ويسقط في دول أخرى؟
هذه المسألة تكتسب طابعاً مبدئياً صرفاً، ولا تحتمل ازدواجية معايير خصوصاً لأن قوى 8 آذار مقبلة على الإمساك بسلطة لبنان، وما ينطبق عليها لم يعد ينسحب على معارضيها "المشاغبين".
ولعلها المرّة الأولى التي ستواجه فيها قوى 8 آذار وحلفائها أيضاً في الائتلاف الحاكم اختباراً سيادياً مبدئياً من هذا الطراز وبهذا العيار الثقيل.
ولعل أفضل ما يحمله هذا التطور، أن تنقلب الأدوار فعلاً، فتضع 8 آذار وحلفائها في موقع "الفحص السيادي" بكل احراجاته و14 آذار في موقع "الفحص المعارض" بكل أثقاله.
أما نمط "المنظومات" هذا فأفضل ما تثبته استعادته هو أنه غدا فاقد الصلاحية ومنقرضاً وأشبه بالهروب الى وسائل عتيقة هرمة من عصور ولّت في بلدان المنشأ فكيف في بلدان الاستعارة. وما تواجهه السلطة الجديدة أفدح بكثير من مجرد احتماء بهذا النوع الرتيب من المنظومات خصوصاً متى كشف حال الحرج الشديد الذي يعانيه أصحابه عند مفرق انتقالي غير مسبوق.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك