وزعت أمانة سر بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية رسالة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان التي وجهها لمناسبة عيد الميلاد، بعنوان "الله يكلمنا بابنه"، تناول فيها الأوضاع العامة في لبنان وبلاد الشرق الأوسط والعالم، جاء فيها:"يحتاج عالمنا اليوم، وبخاصة شرقنا، إلى الرجاء والسلام، أكثر من أي وقت مضى. ففيما نحتفل بعيد الميلاد متأملين بسر التجسد، ومندهشين بالله يكلمنا بابنه الوحيد، يسوع - الإله المتأنس الذي حل بيننا، وصار صغيرا، فقيرا وضعيفا، لا يسعنا الا أن نفكر بالمآسي التي يعيشها شعبنا اليوم، لا سيما سكان الأراضي المقدسة، الذين فرضت عليهم حرب مدمرة في غزة، وارتدت انعكاساتها المريرة على المناطق المحيطة بها، وبشكل خاص على المناطق الحدودية في الجنوب اللبناني. إنها مآس غيبت بهجة العيد عن معظم بلدان شرقنا. ولا يمكننا إلا أن نعبر للإخوة والأخوات هناك، وخصوصا للأطفال وعائلاتهم، عن قربنا منهم ودعمنا الروحي لهم. إنهم يدفعون ثمن الحرب الظالمة، مشتركين في معاناة أهل بيت لحم بمقتل أطفالهم. منذ عشرات السنين لا يزال السلام غائبا في الأرض التي منها أشرق ملك السلام! إننا نناشد، مع الشرفاء في هذا العالم، جميع المعنيين من حكومات وشعوب، كي يعملوا بصدق وجدية على الوقف الفوري الكامل والشامل لإطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية والطبية الواجبة للسكان الذين يعانون جراء هذه الحرب.
في لبنان، حيث يعيش المواطنون أزمات اقتصادية متتالية منذ اندلاع ثورة 17 تشرين الأول 2019 وما تلاها من أحداث، وتفشي وباء كورونا، والتفجير الإرهابي لمرفأ بيروت والذي لا تزال التحقيقات القضائية فيه معطلة بسبب المنافع السياسية، بالإضافة إلى الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية، حيث تقوم فئة من السياسيين اللبنانيين بتعطيل الانتخابات الرئاسية عبر تمنعها دون مبرر عن حضور الجلسات، ضاربة عرض الحائط مصالح اللبنانيين وحاجتهم الماسة للإستقرار السياسي والاقتصادي. وها هي هذه الفئة المتحكمة بالوطن تحاول جاهدة إحكام سيطرتها على مفاصل الدولة والاستمرار بالسياق عينه في ضرب كل المؤسسات الدستورية، من رئاسة الجمهورية، إلى حاكمية مصرف لبنان، وتعطيل عمل القضاء، وصولا إلى قيادة الجيش وقيادات الأجهزة الأمنية والعسكرية، إلى أن جهد المخلصون أخيرا، فحكموا ضميرهم وتفادوا وقوع الفراغ فيها.
من هنا ندعو جميع أبنائنا وبناتنا وجميع اللبنانيين المؤمنين بهذا الوطن وبالرسالة التي يحملها، أن يرفضوا الاستسلام. وليكن زمن ميلاد الرب يسوع زمن الخلاص للبنان من أزماته، وليحمل العام الجديد 2024 الأمل بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، واستكمال السلطة التنفيذية باختيار من يحملون هموم الوطن ومصالحه في عقولهم وقلوبهم، ليعملوا على انتشال لبنان من كبوته، وإعادته إلى مصاف الدول المزدهرة والمتطورة.
في سوريا، نصلي كي تثمر الجهود الدولية والديبلوماسية رفع العقوبات المفروضة وإنهاء الصراع القائم منذ أكثر من اثني عشر عاما، وتفضي إلى تسوية تنهي التنافس والنزاع في سوريا كما في المنطقة في مجالات عدة. فتنعكس على الشعب السوري الطامح إلى الحرية والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، ويعود من غادر أو تهجر، ولا سيما الشباب، ليسهم، مع الذين تعالوا على النكبة وصمدوا متجذرين في أرضهم، في خلق الثقة وتعزيز الوحدة والمصالحة بين جميع مكونات الوطن، والمشاركة بإعادة بناء ما تهدم. نسأل الرب يسوع أن ينعم، بجاه ميلاده، على هذا البلد بالأمان، فيؤول الاستقرار الأمني إلى استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي، لا سيما بعد الآثار التي نتجت عن الزلزال المدمر الذي أصاب أجزاء من البلد في شباط الماضي.
وفي العراق، لا تغيب عن بالنا الفاجعة المريعة التي راح ضحيتها 133 شخصا من أبنائنا وبناتنا الأعزاء، في قره قوش (بغديده) الحبيبة، فضلا عن إصابة مئات الآخرين. ولنا الثقة ألا تزعزع هذه النكبة ثباتنا في إيماننا، بل على الآلام المريرة أن تزيدنا رسوخا في أرض آبائنا وأجدادنا، وتقوي رجاءنا فوق كل رجاء. لذا نجدد تضامننا الأبوي وقربنا وصلاتنا من أجل راحة نفوس الضحايا وتعزية عائلاتهم وأهلهم وذويهم وبلسمة جراحهم. كما لا ننسى التحديات الكثيرة التي يجابهها الشعب العراقي إزاء الأزمات السياسية والاقتصادية التي خلفتها الصراعات، ونضرع إلى الرب يسوع أن يحمل بميلاده الطمأنينة والأمان لجميع المواطنين، فيشاركوا مع المسؤولين الأصلاء في مشروع نهضة العراق الحضارية وبنائه بشرا وحجرا، وصولا للإستقرار السياسي والأمني والاجتماعي.
وفي مصر، نهنئ جميع المواطنين بإعادة انتخاب فخامة رئيس الجمهورية، ونصلي كي تحمل نتائج الانتخابات أملا بتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للشعب المصري في ظل التضخم الحاصل.
والأردن، وبلدان الخليج العربي، التي نعرب عن ارتياحنا لما تقوم به السلطات في هذه البلدان العزيزة لتأمين الرخاء والازدهار للشعب، في جو من الألفة والمودة والتسامح.
وتركيا، حيث نتابع مع أبنائنا الغيارى المساعي لاستعادة مقر بطريركيتنا في ماردين، نصلي كي يستمر أبناؤنا في أداء شهادتهم للرب في هذا البلد، بالعيش الكريم والمواطنة الكاملة.
ونتوجه إلى أبنائنا وبناتنا في بلاد الانتشار، في أوروبا والأميركيتين واوستراليا، ونحثهم على عيش إيمانهم بالرب يسوع، ومتابعة التزامهم الكنسي، بالأمانة لكنيستهم السريانية وتراثهم السرياني الثمين وتقاليدهم الأصيلة التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم في أوطانهم الأم في الشرق، مع المحبة والإخلاص لأوطانهم الجديدة التي فتحت لهم آفاق العيش الكريم والحر. ونوصيهم أن يحافظوا على قدسية العائلة، ويربوا أولادهم تربية مسيحية صالحة، رغم المخاطر والتحديات والمغريات.
كما نحثهم على القيام بأعمال ومبادرات محبة يمليها عليهم حسهم الأخوي وانتماؤهم العائلي والكنسي، فيساهموا قدر استطاعتهم في دعم الكنيسة والمؤمنين في بلاد الشرق، حيث تكبر المعاناة، وتتفاقم التحديات، وتزداد الحاجات المادية، متذكرين ما جاء في سفر أعمال الرسل: فعزم التلاميذ أن يرسلوا حسبما يتيسر لكل واحد منهم، إسعافا للإخوة المقيمين في اليهودية (أعمال 11: 29).
ولا ننسى أن نجدد صلاتنا إلى الرب يسوع، المولود طفلا في مذود بيت لحم، من أجل انتهاء الحرب بين أوكرانيا وروسيا، وحل كل نزاع في العالم بالحوار والتفاوض والتفاهم، والتوقف عن سفك الدماء وتدمير البشر والحجر.
كما نجدد مطالبتنا بالإفراج عن جميع المخطوفين، من أساقفة وكهنة وعلمانيين، سائلين الله أن يرحم الشهداء، ويمن على الجرحى والمصابين بالشفاء التام. ونعرب عن مشاركتنا وتضامننا مع آلام ومعاناة المعوزين والمهمشين والمستضعفين، وكل العائلات التي يغيب عنها فرح العيد بسبب فقدان أحد أفرادها، ضارعين إلى الله أن يفيض عليهم نعمه وبركاته وتعزياته السماوية.
وفي كلمته الروحية، تحدث عن أن "الله بعدما كلم الآباء قديما بالأنبياء بطرق وصور عدة، يكلمنا في عيد الميلاد بابنه الوحيد، ذاك الذي هو المخلص، وهو كلمة الحياة، وفيه أعلن كلمته وسر محبته. فما أسعدنا حين نقبل بشرى ميلاد مخلصنا، إذ أن سر التجسد ينير سر الإنسان، لافتا إلى أن الميلاد هو زمن الرجاء والسلام وعيد الفرح"، مشددا على أن يسوع المسيح هو رجاؤنا الأزلي، متوجها بالتهنئة إلى المسيحيين والعالم بعيد الميلاد المجيد وبحلول العام الجديد".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك