كتب أنطون الفتى في وكالة "أخبار اليوم":
أزمة الجوع العالمية تجعل أكثر من 700 مليون شخص لا يعرفون متى، أو ما إذا كانوا سيأكلون مرة أخرى. فيما نحو 47 مليون شخص في أكثر من 50 دولة باتوا على مسافة خطوة واحدة فقط من المجاعة. كما أن 45 مليون طفل دون الخامسة، يعانون من سوء تغذية حادّ. فضلاً عن أن أكثر من 345 مليون شخص يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي خلال العام الحالي.
هذا ما أعلنته المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي سيندي ماكين أمام مجلس الأمن قبل أيام، مؤكدة أننا نعيش حالياً مع سلسلة من الأزمات المتزامنة وطويلة الأمد، التي ستستمر في تغذية الاحتياجات الإنسانية العالمية.
أسباب اصطناعية
هذه الأرقام "تصدمنا" في عام 2023، ضمن عالم يتسابق على الشرائح الإلكترونية، وأحدث التكنولوجيات، وبرامج الفضاء، والمدن الذكية... فيما هو لا يزال متعثّراً بمعالجة أزمات الجوع، والفقر، والمرض.
صحيح أن أسباب الجوع كثيرة، من بينها الحرب الروسية على أوكرانيا التي تتسبّب بنقص لا يُستهان به بالحبوب والمواد الغذائية، في عدد من البلدان حول العالم، وبارتفاع أسعار ما لا يزال متوفّراً منها، حتى من مصادر أخرى غير أوكرانيا وروسيا. ولكن أبرز المخاطر تتعلّق بما يتجاوز الحروب والصراعات العالمية، والمشاكل التي يرزح تحتها الاقتصاد العالمي منذ عام 2020. وهنا نتحدّث عن الجوع الصامت الناجم عن أسباب اصطناعية، وهي ارتفاع أسعار المواد الغذائية الناتج عن جشع التجار ورغبتهم بتحقيق أكبر نسبة من الأرباح، خصوصاً في الدول الفاسدة، والتي لا رقابة حقيقية فيها.
مجاعة صامتة
فهنا نتحدث عن جوع مقنّع، ينطلق من واقع أن كثيراً من الفئات الاجتماعية ما عادت قادرة على شراء الكثير من الضرورات الغذائية المتوفرة في الأسواق بالفعل، ولكن بأسعار مرتفعة جدّاً ناتجة عن شراهة أطماع ومصالح شخصية. فهذا يؤدي الى نتيجة واحدة، وهي أن ملايين الناس حول العالم (وفي لبنان أيضاً) ما عادوا يأكلون جيّداً، وهم يعانون من حالة تتراوح بين سوء أو انعدام التغذية، وهذه مجاعات صامتة ومُقنَّعة.
فما هي سُبُل علاج هذا الواقع، ووقف استغلال الاقتصاد الحرّ من جانب بعض التجار من أجل ممارسة أنشطة اقتصادية غير مُنضبطة، وبأرباح خيالية، وخالية من أي قواعد مهنيّة وأخلاقية.
فقدان الرقابة
أشار رئيس الإتحاد الدولي لرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين، وعميد كلية إدارة الأعمال في جامعة القديس يوسف، الدكتور فؤاد زمكحل، الى أن "الجوع يزداد في العالم، لا سيما في البلدان الفقيرة التي تعاني من أزمات اقتصادية، ومالية - نقدية، واجتماعية مثل لبنان لسوء الحظ".
وشدّد في حديث لوكالة "أخبار اليوم" على أنه "لا يجب أن نربط الجوع بالاقتصاد الحرّ الذي يساهم بخلق نموّ واستثمارات ووظائف، وهذه هي الأهداف التي نريدها منه (الاقتصاد الحرّ). فهو ليس مُسبّباً للأزمات، بل فقدان الرقابة هو المشكلة".
إعادة هيكلة
وأوضح زمكحل أن "العالم ككلّ يشهد تضخّماً كبيراً اليوم، يمكنه أن يتحوّل الى تضخّم مُفرط. فنحن خرجنا من جائحة "كوفيد - 19" التي كانت مسؤولة عن قسم كبير من التغيير الاقتصادي والاجتماعي في العالم، ونشهد الآن إعادة هيكلة اقتصادية ومالية ونقدية دولية".
وأضاف: "الجوع والفقر مرتبطان بالسياسة "الماكرو اقتصادية" في البلدان، ولا يجب أن يُقبل بهما في أي بلد طبعاً. ولكن مكافحتهما تبدأ بسياسة اجتماعية ومساعدات، من كل شخص وعائلة ومؤسّسة وقطاع، وصولاً الى الوزارات المختصّة. فالجوع يُدرس من جانب "يونيسيف" حالياً، ومن كل المنصّات الدولية، لكننا بحاجة الى خطوات سريعة جدّاً".
وختم: "طبعاً، يختلف التضخّم عن الجشع الخارج عن السيطرة في حالات فقدان الرقابة. ويجب أن تلعب الدول دور المراقب في هذا الإطار. فالأرباح مسألة شرعية، ولكن شرط أن لا تكون على حساب الشعب والاقتصاد".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك