كتب يوسف دياب في "الشرق الأوسط":
أحرج موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي قوى المعارضة المسيحية، خصوصاً حزبي «القوات اللبنانية» و«الكتائب»، من خلال تأييده دعوة رئيس مجلس النواب نبيه برّي للحوار والبحث عن حلّ لإنهاء الشغور في رئاسة الجمهورية، إذ عدّ نواب معارضون، سواء في منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي أو في تصريحات إعلامية، أن الراعي أضحى «طرفاً» في الخلاف القائم، وأن دعوته للمشاركة في الحوار تعدّ «انقلاباً» على مواقفه السابقة التي رفضت أي حوار قبل انتخاب رئيس للبلاد.
وتباينت التفسيرات حيال المغزى السياسي لكلام الراعي الذي ورد في سياق عظة مكتوبة خطياً وتلاها خلال قدّاس الأحد الماضي، فعدّ مواكبون لتصريحه أن «صياغة الجملة أوحت وكأن البطريرك يوجه لوماً لمن يرفض الدعوة إلى الحوار، لكن ما قصده أنه يريد حواراً يحترم الدستور وعملية انتخاب الرئيس».
غير أن مصدراً بارزاً في المعارضة لفت إلى أن «ما صدر عن البطريرك لجهة تأييده دعوة برّي للحوار يتناقض مع خطاباته منذ أشهر، التي كرر فيها أن أي حوار بغياب رئيس الجمهورية ساقط حكماً». وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط»، أن موقف الراعي الأخير «ولّد حرقة عند قوى المعارضة، باعتبار أن صاحب الغبطة يأخذ مساحات سيادية واسعة، ثم يطلق خطاباً يشكل انقلاباً عليها»، عادّا «المواقف المترددة في خطاب الراعي بين الحين والآخر، تخلق حالة من الأسى عن قوى المعارضة التي لا تجد نفسها مستندة إلى جدار صلب».
ويرفض المطلعون على أجواء الصرح البطريركي الاتهامات التي توجّه إلى الراعي والتي تريد منه التموضع في معسكر معين. ولفت النائب البطريركي العام المطران سمير مظلوم إلى أن «موقف البطريرك الأخير فُهم خطأً، فهو يتمسّك بالدعوة أولاً وأخيراً لانتخاب رئيس للجمهورية والبدء ببناء الدولة».
استمالة البطريرك
ورأى مظلوم في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «كلّ طرف سياسي يحاول استمالة البطريرك إليه، لكن بكركي كما سيّدها، تبقى مرجعية دينية ووطنية ليست محسوبة على أي جهة سياسية أو حزبية، وستبقى تطالب باحترام الدستور والقانون والشروع ببناء الدولة، الذي يبدأ بانتخاب رئيس، ومن ثمّ تشكيل حكومة جديدة وورشة إصلاحات تطال كل المؤسسات». وقال مظلوم: «الرئيس برّي دعا إلى حوار يستمر سبعة أيام، تليه جلسات متتالية لانتخاب الرئيس، ويبدو أن الفريق الآخر غير مستعدّ للدخول بالحوار بل يريد رئيساً يتبعه حوار يديره الرئيس العتيد، لكنّ ما يهمّ البطريرك أولاً وأخيراً انتخاب رئيس للجمهورية، وإنهاء حالة الجمود القاتلة».
لا تجد قوى المعارضة في الحوار مع الثنائي الشيعي أي جدوى، في ظلّ تمسّك «حزب الله» برئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، ورفضه البحث في أي اسم آخر. وهنا لاحظ المطران مظلوم أنه «إذا كان الحوار يثمر انتخاب رئيس للبلاد فهذا مفهوم ومقبول، أما إذا كان الحوار تضييعاً للوقت وابتعاداً عن انتخاب رئيس فهذا غير مقبول. من هنا فإن البطريرك الراعي لم يؤيد الحوار ولم يدع لمقاطعته، بل يريد إنهاء أزمة الشغور الرئاسي المستمرّة منذ سنة تقريباً».
من الصائب؟
في تقييمه لمواقف الطرفين، شدد السياسي اللبناني توفيق هندي على أن «البطريرك الراعي ليس صائباً في موقفه ولا المعارضة أيضاً»، عادّا «لبنان يعيش حالة اللادولة بوجود احتلال إيراني يجسّده حزب الله وطبقة سياسية مارقة تنافسه أو تتماهى مع مطالبه، ما يؤدي إلى اعتباره طرفاً لبنانياً في واقع الحال». وقال هندي لـ«الشرق الأوسط»: «لا جدوى من الحديث عن انتخابات رئاسية بوجود حزب مسلّح يمسك بالسلطة في لبنان، ويفرض شروطه على الآخرين بالاستناد إلى فائض القوّة العسكرية والأمنية التي يتمتّع بها».
ودعا الجميع إلى «الأخذ في الاعتبار أنه في ظلّ الظروف الدولية والإقليمية القائمة، فإن الخارج لا يريد أكثر من انتخاب رئيس لإبقاء لبنان في المرحلة الراهنة في غرفة العناية الفائقة، ولكن هذه الظروف مرشحة أن تتغير في مرحلة لاحقة، ما يحتم على أحرار لبنان أن يتحّضروا إلى إنشاء تجمع يطرح خريطة طريق لخلاص لبنان وتلقف لحظة التغيير في الظروف الخارجية لتحقيق هذا الخلاص». وخلص هندي إلى القول: «في ظلّ موازين القوى الحالية لن يكون للبنان رئيس سوى سليمان فرنجية أو جبران باسيل».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك