كتب القاضي حاتم ماضي في "اللواء":
ما انفك مهندسو انتخابات رئيس جمهورية لبنان العتيد سواء في الداخل أو الخارج يضعون المواصفات التي يجب أن يتحلى بها هذا الرئيس.
لقد فات هؤلاء، ربما، أن رئيس الجمهورية في لبنان بعد الطائف لم يعد كما كان قبل الطائف. فالرئيس اليوم لم يعد يحكم وحده لأن ثمة من يتشارك معه في الحكم وهو رئيس الحكومة ومعهما مجلس الوزراء.
لقد أناطت المادة 65 من دستور الطائف بمجلس الوزراء وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات، ووضع مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية واتخاذ القرارات اللازمة لتطيبيقها والسهر على تنفيذ القوانين والأنظمة والإشراف على اجهزة الدولة من ادارات ومؤسسات مدنية وعسكرية وأمنية بلا استثناء.
اذا كان رئيس الجمهورية منتخباً من قبل أكثرية ثلثي أعضاء مجلس النواب أي أكثرية الأكثرية، فإن رئيس الحكومة تعينه أكثرية الأقلية من النواب. ولهذا السبب لا يشكل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة غالب الأحيان فريقا حكوميا متجانسا سياسيا.
قد لا يطيب للبعض الإعتراف بأن الحكم في لبنان بعد الطائف صار عملا مشتركا أقله في القضايا الهامة والحساسة. ومثل هذه الشراكة مطلوبة قي بلد مثل لبنان حيث التنوع الطائفي والمذهبي على أشده. ويفضّلون ربما «سيف التوقيع» الذي يتمسك به من كان معارضا للقرار بحيث تصبح عجلة الحكم مشلولة.
وثمة سلاح آخر لا يقل ضررا عن سيف التوقيع يتمثل بالثلث المعطل بحيث ان الفريق الذي يملك هذا الثلث من الوزراء يستطيع التحكم بالحكومة، ويضع استمرارها بالحكم تحت رحمته ورهن ارادته ودائما يكون هذا الثلث المعطل من حصة رئيس الجمهورية لإيجاد نوع من التوازن بين سلطته وسلطة رئيس الحكومة. وقد ابتدعت العبقرية السياسية اللبنانية نظرية «الوزير الملك» أي الوزير الذي يكمل الثلثين عندما تدعو الحاجة.
عندما تكون آلة الحكم على هذه الصورة فكيف يمكن أن نتصور أن باستطاعة هذه الآلة ان تحكم وان تنفذ برنامجها الذي تكون قد اعلنته امام مجلس النواب، وتكون قد نالت ثقة المجلس عليه؟! كذلك هل ما يزال يجدي نفعا ان يوافق رئيس الجمهورية وحده على اي تعهد سابق لإنتخابه؟!
لقد أظهرت التجربة اللبنانية ان طريقة انشاء السلطة الإجرائية وطريقة انهاء دورها تشبهان عملية النصب المتبادل للأفخاخ، بحيث كانت عملية تأليف الحكومة تستغرق اشهرا طويلة ما يؤدي بالتأكيد الى شلل شبه تام في عمل السلطة الإجرائية.
من جهة أخرى، لم يتضمن الدستور اللبناني اي نص يحدد ما هي مواصفات رئيس الجمهورية وانما اكتفى بما ورد في المادة 49 التي قالت بعدم جواز انتخاب احد لرئاسة الجمهورية ما لم يكن حائزا على الشروط التي تؤهله للنيابة وغير المانعة لأهلية الترشيح.
كذلك، لم يشترط الدستور على المرشح لرئاسة الجمهورية ان يعلن عن ترشحه أو أن يتقدم من جهة ما بطلب ترشحه مرفقا بالمستندات التي تؤهله لتبؤ سدة الرئاسة.
قد يكون المشرع الدستوري تجنب بذلك عمدا الإشارة الى الظروف المذكورة احتراما منه لمقام الرئاسة الأولى واحاطتها بالهالة التي تستحقها. لكن ذلك لا يمنع من الطعن بصحة الإنتخاب اذا لم تحترم الشروط العامة وذلك وفقا لأصول الطعن المعتمدة.
وبعيداً عن كل ما تقدم، من الضروري لفت النظر الى أن مسؤولية رئيس الجمهورية في لبنان هي مسؤولية سياسية وليست مسؤولية عقابية لأن «العقوبات» المنصوص عنها في الدستور ليست عقوبات بالمعنى المقصود في مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات. وهذا ما يحدو بنا الى التوقف عن الكلام عن «مواصفات رئيس الجمهورية» لأن هذا الرئيس هو رأس الدولة ورمز وحدة الوطن.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك